في كتابه “فن التفكير الصحيح”، كتب رولف دوبلي فصلا بعنوان ” السائق العليم “..
جميعنا أو أغلبنا قرأ قصة ذلك الفيزيائي الذي فاز بجائزة نوبل، وبعد تقديمه لعدة محاضرات متتالية في نفس الموضوع بنفس المحتوى في أماكن متفرقة، اقترح عليه سائقه على سبيل الطرافة تقديم المحاضرة التالية مكانه، لأنه قد حفظ محتواها على ظهر قلب، تبديلا للأدوار ومنحا للراحة للفيزيائي.. فكان ما أراد.. وعندما طرح أحد العلماء سؤالا على المحاضر ” السائق ” كان رده ” لم أكن متصورا قط أن سؤالا بسيطا مثل هذا يطرح في مدينة متقدمة مثل ميونيخ. سأطلب من سائقي أن يتفضل بالإجابة “..
الفيزيائي هو ماكس بلانك، الحائز على جائزة نوبل عام 1918 وكانت المحاضرة حول ميكانيكا الكم..
تعجّبنا حينها بذكاء ودهاء السائق.. الذي حوّل السؤال الذي لم يستطع الإجابة عليه، بطريقة ذكية إلى العالِم..
يوجود نوعان من العلوم:
1/ أولاها هي العلوم الحقيقية: تلك التي يكتسبها الشخص بعد جهد ووقت وعمل عقلي كبير..
2/ ثانيها هي ” معارف السائقين “: تلك المعلومات والمعارف التي يحفظها الشخص من المصادر والكتب حفظا عن ظهر قلب، ثم يعيد ترديدها هنا وهناك..
تعجّبنا بدور ” السائق ” لكننا لم نلحظ أن واقعنا مليء بأشباه ذلك السائق..
الكثير من منابر الدروس والخطب يعتليها أشخاص معارفهم لا تزيد عن كونها معارف ” السائقين “.. كل ما يعرضه ليس إلا ما فكّر فيه شيخه قبل قرون !!.. حتى الإجتهادات والآراء الشخصية يحفظها طلبة الشريعة بوفاء ثم يرددونها بعد ذلك !..
” ذلك أن مفهوم “إقرأ” ظل مفهوما ثانويا ومرتبطا بالقراءة التقليدية الجاهزة للمجلدات والكتب التي سطرها الأولون فحسب ” أحمد خيري العمري . كتاب البوصلة القرآنية .
حتى ذلك الطبيب الذي يحفظ دون فهم فعلي، وربط بين المفاهيم وبحث عميق هنا وهناك، ليست معرفته أكثر من ” معارف السائقين “..
وأنت تقرأ وتطالع أي كتاب، حاول أن تناقش الأمر مع نفسك، أسقطه على واقعك، ناقشه مع من حولك، احذر أن تكون معارفك مثل ” معارف السائقين “..
اللهم ارزقنا علما حقيقيا، لا معارف السائقين !