أنت تسير في شارعٍ حيويٍّ جدًّا.. جموع من الناس قادمة وأخرى ذاهبة.. تحاول -وأنت ترى إليهم- أن تتعمق أكثر في أحوالهم.. تحاول لو تطير لمستوى أعلى لترى الصورة بشكل أوضح.. وتتمنى في نفس الوقت أن تتعمّق أكثر في نفوسهم، وخبايا صدورهم.. أن تفهم سلوكيات هذا المجتمع وطريقة عيشه، وتعامله مع المشاكل اليومية..
يوميات المواطن الجزائري مليئة بشكل طبيعي جدا، بمشاكل يومية بمختلف مستوياتها.. الأمر غير الطبيعي أن يمر يوم بدون عقبة.. مشاكل بكل أنواعها، قد يكون سوء تفاهم مع شخص غريب تماما، أو مع صديق في العمل.. أو مشكل إداري بسبب ورقة غبية، أو إمضاء أو ختم سخيف.. أو تأخير وتأجيل استخراج ورقة ما..
فكما المشاكل وصور الشِّجارات التي أصبحت جزءا طبيعيّا من بنية حياة الجزائري، فإن العصبيّة وما يصاحبها من قذف وعبارات جارحة أصبحت أمرا عاديا ومترددا بكثرة.. ولو كانت تلك العبارات غير مستساغة، لكنها “جائزة” مادام الأمر قد كان بعد “غضب” و”عصبية”..
“عِندمَا تشاجَر بلالٌ مع واحدٍ منَ المؤمنينَ، وهُو أبو ذرٍّ الغفارِي، فسَبَّه الأخيرُ قائلاً: يا ابن السَّودَاء.. وقد أَنَّبَه النَّبيُّ لاَحقًا وقال لهُ ” إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِليَّة” ويَعْنِي أنّ فِيكَ من الكفر ما لم يُزَل بعدُ بالإيمَانِ، الكُفْرُ المتعلقُ بالسُّلوكيَّات والقِيَمِ وليس بالعبادةِ والشَّعائرِ”
<شيفرة بلال، د. أحمد خيري العمري>
ونحن نعيش في هذا المجتمع، كم مرة علينا أن نقول فيها “إنّك امرؤٌ فيك جاهليّة”؟.. في هذا النمط من الحياة، كم علينا أن نعيد تلك العبارة؟!.. كم علينا أن نخبر بعض الأشخاص أن فيكم من ” الكُفر” ما لم يُزَل بعدُ بالإيمان.. بالضبط ذلك الكفر المتعلّق بالقيم والسلوك..
القذف والكلمات الجارحة والتّسميات ونسب الأشخاص إلى القبائل والعشائر والأنساب استهزاء وسخرية منهم، “من الكفرِ” المتعلّق بالقيم والسلوك..
في الحقيقة، كل ما يخالف الأدب واللباقة وحسن الخلق والحضارة هو من “الجهالة”.. من ” الجهالة ” التي تنتج عن قلة الإيمان وضعفه..
ثورة في “القيم والسلوك” هي ما يحتاجه مجتمعي..
“إنك امرؤ فيك جاهلية”.. قُلها لنفسك قبل أن تتلفظ بشيء من تلك السخافات.. ذكّر بها نفسك، واجتهد حتى تبتعد عن الجاهلية..
“إنك امرؤ فيك جاهلية” عند كل سلوك غير حضاري..
“إنك امرؤ فيك جاهلية” عند رمي القصاصة في غير موضعها..
“إنك امرؤ فيك جاهلية” عند الحديث مع أحدهم بعنصرية، بسبب لونه أو عرقه أو نسبه..
“إنك امرؤ فيك جاهلية” عند كل خطوة تعيد مسيرة التغيير خطوة إلى الوراء..
“إنك امرؤ فيك جاهلية” من أجل شخصيتك أنت، بعيدا عن “الجاهليّة”.