قراءة في رواية: البحر المسجور..

قرأت آخر جملة من الرواية، قلبت الصفحة بحثا عن المزيد، لكن التالي كان فهرسا للكتاب، كان واضحا جدا أنها النهاية، لكن روعة الأحداث وتناسقها جعلني أرغب في المزيد.. ليتها لم تنته.. لكنها فعلت..

أحداث الرواية ستطير بك بين جزيرتي الشرق والغرب، مقاطعة بيجاسيس، جسر الإخاء، محطة تحلية المياه، حي الرمان، جامعة « غصن الزيتون »، محطة التلفزيون.. وستجبرك على مرافقة صالح، أدريان، أمل، رغد، العم فاضل، رفيق، عبير، سلوى، فوزي ورويدة ومعاذ، هيثم.. بل والتحدث باسمهم..

ببراعة، استعمل الكاتب ضمير الأنا في كل تفاصيل الرواية، ستجد نفسك مرغما على تقمص كل شخصية من شخصياتها، على التحدث بلسانها، وكأنك تروي قصتك أنت.. ربما ستجد نفسك في إحدى زواياها تروي قصتك فعلا، أو جزءا من قصتك، ستتقاطع قصتك مع قصة الرواية حتما.. شخصيّا شعرت بشيء من ذلك، أو هو أقرب، كأنني عشت تجربة مشابهة، والكثير ممن أعرفهم عاشوا شيئا منها، بخطوط عريضة مشابهة، وتفاصيل مختلفة..

استعمال ضمير ” الأنا ” يجعلك تغوص أكثر فأكثر..

بيد أن هذا الضمير، يُلبس القصص مصداقية أكثر.. بالضبط كأننا نسمعها على لسان أبطالها مباشرة..

دقة التعابير وبلاغة الأوصاف سيضعك داخل المشهد بكل تفاصيله.. عليك أن تكون حذقا، كي تصل بين الخيوط المتناثرة التي ستمدك بها الفصول المتعاقبة، المتداخلة زمانيّا ومكانيّا.. في حبكة روائية متقنة، تفنن المبدع في نسجها وتركيبها..

رواية تحكي قصة فرقة بعد إخاء، وخوف بعد أمن، وفرقة بعد سلم، وخصام بعد مودة.. كان السبب الأول لكل تفاصيل ذلك التحول هو ” الثأر ” الذي أفسد القلوب والنوايا، وأحال الأمن إلى نزاع وصراع، ثم هيجانٍ لبركان لطالما استمتع بهدوء وسكينة الجزيرتين، ثورانٌ مطالبٌ بعودة السكينة والأمان إلى الجوار، بيد أنه قد نال مطلبه بعد أن غزا الجزيرتين وهاجم شاطئ مقاطعة ” بيجاسيس “..

كان الكاتب لايفوّت فرصة التنويه إلى مختلف القضايا والإشكالات الحضارية والإعلامية والإجتماعية والإقتصادية وغيرها، كلما سنحت له الفرصة لذلك .. الإعلام وحملته في رسم صورة الأحداث، وتحكمه فيها.. تشجيع واستثمار المشاريع القادمة من الشركات الأجنبية، وإهمال مشاريع الشباب المحلية.. جشع الشركات والإعلاميين واستغلال أزمات الشعوب لتحقيق المزيد والمزيد من الأموال والأرباح.. وأصحاب القلوب الحية المتيقظة الحاملة لكل خير، والتي تأبى الخضوع والذل، وتختار صوت الضمير، وتُعليه فوق أي صوت آخر.. كانت أبرز تلك القضايا..

عن الأخطاء المطبعية صادفت حوالي 4 أخطاء طفيفة، مع بعض الأخطاء الأقل من ذلك شأنا، كتقديم أو تأخير موضع الشدة أو موضع الحركات..

” البحر المسجور ” تلك التي قرأتها في اليوم الموالي لآخر أيام اختباراتي، جعلتني حبيس زاويةٍ وسطَ المنزل.. أتنقل بين تفاصيلها، تأبى أن تتركني.. استطاعت كلماتها أن ترسم الإبتسامة فرحا على ثغري أحيانا، وأن تعيد الغصة إلى حلقي حزنا وغضبا أحيانا أخرى.. رافقتني من أول اليوم إلى آخره، بل وأسهرتني قليلا..

كان يوما رائعا، برفقة تحفة أروع..

الإعلان

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s