بدخول أول أيام شهر رمضان وجدت نفسي أقوم بشكل تلقائي بإغلاق حساباتي على مواقع التواصل الاجتماعي، وأقوم بحذف تطبيقات التواصل الثانوية التي يمكن للإنسان أن يستغني عنها.. شهر كشهر رمضان، وبسبب قدسيته وأجوائه الروحانية الخاصة، أراه فرصة استثنائية في العام لتجربة الانعزال عن مواقع التواصل الاجتماعي..
أول تجربة لي مع اعتزال مواقع التواصل الاجتماعي كانت لمدة تسعين يوما بدون فيسبوك قبل 3 سنوات بالضبط.. لم تكن تجربة غنية ولا عميقة ولا مخططة بوضوح.. رغم ذلك فقد تعلمت منها بشكل واقعي تجريبي تلك المعلومة القائلة “إن الإنسان بإمكانه أن يعيش بعيدا عن مواقع التواصل دون أن يصاب بمكروه ودون أن يفوّت أي أمر ذا شأن”.. وكان ثمنها مستحقا.. خلال هذه السنوات تغيرت نظرتي للموضوع وتقلبت أكثر من مرة وعلى أكثر من وجه.. بين اعتقادي بعدم نفعها إذا لم يخطط لها مثلا، أو بأن الخروج والعودة بشكل متكرر في كل مرة مجرد تقليد كأي شكل من أشكال التجارب التي يقلدها إنسان العصر في كل مرة، وإلى غير ذلك من الأفكار والمواقف..
بانغماسي في موضوع الإدمان تمكنت بشكل أعمق فهم الدماغ وتغيراته وتفاعلاته تحت تأثير الإدمان.. وتمكنت أيضا من إدراك عمق إشكالية “إدمان التشتت” التي بُلِي بها إنسان العشرين سنة الأخيرة أو أقل..
بشكل مختصر دعني أقدم بعض التوجيهات التي أصبحت أرى صوابها بخصوص الموضوع:
🌸 على الإنسان أن يجرّب اعتزال مواقع التواصل الاجتماعي بشكل تام على الأقل مرتين في العام، مدة شهر كامل في كل مرة..
🌸 علينا أن نتخلص من أي تطبيقات زائدة، ونتخلص من عقدة استعمال المنتَج فقط لأن الجميع يستعمله..
🌸 أمام كل تطبيق تستعمله إسأل إن كان مفيدا لك، إن كان الجواب بلا فمن البديهي أن تحذفه وتحذف حسابك عليه.. وإن كان الجواب بنعم، فاسأل إن كان يقدم لك فائدة أقل أو أكثر مقارنة بتطبيقات أخرى (فكثيرا ما نستخدم تطبيقات متعددة تقدم خدمات متقاربة).. وإذا كان مفيدا لك ويقدم خدمة خاصة لا تُعوّض بأي تطبيق آخر، وجّه السؤال الأخير والأهم لنفسك، هل تستخدمه بالطريقة المثلى؟.. بتمرير أي تطبيق على ألغوريتم الأسئلة الجوهرية هذه ستضع نفسك في موقف واضح من كل واحد منها..
🌸 للانعزال فائدة مضاعفة، أثناءه وبعده.. فأثناء الانعزال ستشعر براحة عجيبة، وصفاء ذهن، ودافعية غير مسبوقة للقيام بأعمالك وواجباتك الخاصة.. وبعده ستشعر أن القيد الذي يربطك بها أضعف من قبل، وكلما عددت من تجارب الانعزال كلما أصبحت متحكما أكثر في تعاملك معها..
🌸 من أسوء النتائج التي تقودنا إليها مواقع التواصل الاجتماعي مايلي: المقارنة، وهم المعرفة، المعرفة الضحلة، فقدان الدافعية للإنجازات الواقعية بسبب سهولة الإنجازات الإفتراضية، توسع الدائرة الاجتماعية مع ضحالة العلاقات وغياب العمق فيها وعدم القدرة على الاستثمار في العلاقات الحقيقية، فقدان التحكم في سيل الأفكار ونوعيتها ومجالاتها ومساراتها وبالتالي فقدان القدرة على التفكير الحر في القرارات الشخصية وعلى اتخاذ مواقف شخصية معمقة خاصة بك تجاه القضايا الاجتماعية، اتخاذ تلك المواقع مأوًى للتهرب من ضغط الحياة الواقعية من مهام ومشاكل، فقدان الشعور بمرور الزمن وسيلانه وتعاقب الأيام..
🌸 مخنا الجميل بمرونته العصبية يمكنه أن يتخلى عن السلوكيات الضارة بالتدريب والتكرار.. فمهما بلغت درجة إدمانك فبالإمكان أن تنفك عنه بالمجاهدة، وأن تفقد تلك المسارات العصبية قوتها وتضمحل شيئا فشيئا..
🌸 الوعي العميق والمعرفة الراسخة بالإدمان وتفاصيله وسبل التعافي منه ستحول هذه المواقع إلى أدوات بين يديك تستعملها لصالحك بدل أن تكون أداة لها تسير بلا وعي لتستفيق بعد سنوات وأنت تشعر بالتوهان وتردد بلا طائل “كم لبثنا!”
🌸 وإحدى أهم النتائج التي قد يتحصل عليها منعزل لفترة عن مواقع التواصل: الرفع من مستوى ضبط النفس والوعي بالواقع والانغماس فيه وفي مهامه من أجل أهدافه..