الأسنان المكسورة.. والصورة الذاتية..

أتذكر ذات يوم من أيام طفولتي عندما دعاني أحدهم، وكان وسط جماعة من أصدقائه، وطلب مني أن أضحك، كان في الحقيقة قد دعاني لفعل ذلك حتى أكون أنا المادة المُضحِكة.. قد تتساءل وما كان المضحك فيَّ حينها!.. ببساطة كان “سِنّي الأمامي المكسور” هو مصدر الضحك والسخرية!.. انفجر الجميع حينها في الضحك، وضحكت معهم!.. ضحكت حينها طبعا، وأنا أحاول أن أخفي بيدي الإثنين ثغري!.. فعلت ذلك بعفوية ولم أكن أعلم أن تلك الحادثة ستُحفر في ذاكرتي..

قبل ذلك بسنوات ربما، كنت أجري مسرعا بساحة مدرستنا، أجري بكل قوتي وكان أحد أصدقائي يلحق بي من خلفي كما تقتضيه قواعد اللعبة.. لكن كان لأرضية ساحتنا رأيا آخر.. بالقرب من وسط الساحة، وفي أجزاء من الثانية، كانت رجلي تتعثر بالأرض بسبب عدم استوائها، وبسقوطي على الأرض كان صديقي الذي قد لحق بي من خلفي يتعثر بدوره بي ويسقط علي.. فارتطمت رأسي بالأرض، وارتطم معها سني الأمامي فانكسر في المنتصف!.. تألمت حينها، لكن لم أكن أعلم أن فصلا جديدا من فصول رؤيتي لجسدي، وصورتي الذهنية عن نفسي قد بدأ للتو!

تشير الإحصائيات أن حوالي 30% من الأطفال حول العالم معرضون في لحظة ما من لحظات حياتهم إلى انكسار إحدى الأسنان، أثناء حصص الرياضة أو اللعب والجري أو حتى أثناء مضغ شيء صلب جدا..

لطالما حاولت أن أقف أمام الكاميرا وأبتسم، فهذا هو المتعارف عليه والمنصوح به.. لكني لم أنتبه ولم ألحظ يوما شكل ابتسامتي.. حتى أخبرني صديقي ذات يوم وهو يقف خلف الكاميرا ليلتقط لي إحدى الصور أن لا تبتسم! فابتسامتك أقرب إلى التجهم والعبوس منها إلى الابتسام.. هنالك بالذات انتبهت لشكل ابتسامتي.. على مر السنوات كنت أحاول الإبتسام لكن بشكل لا يُظهر سني المكسورة.. وكان هذا سبب تحول شكل الابتسامة إلى العبوس!!

بعد سنتين في الجامعة، توجهت إلى إحدى طبيبات الأسنان بالقرب من إقامتي الجامعية من أجل مداواة إحدى أسناني.. وسألتني عن سني المكسور وإذا ما كانت لدي أي نية لإصلاحه!.. كنت بالفعل أريد إصلاحه منذ أول يوم انكسر فيه، لكني كنت أتخيل أن ذلك قد يحتاج لمختص أو لأدوات خاصة قد لا تتوفر عند أي طبيب أسنان.. خرجت من عيادتها ذلك اليوم وكنت قد طلبت منها أن تبدأ به قبل أي شيء آخر.. خرجت وقد كانت مرحلة أخرى هذه المرة قد انطلقت بالفعل بعد أن استعدت مظهر أسناني الحقيقي.. ولم أكن أعلم أن فصلا جديدا في حياتي من الثقة بالنفس ومن صورة ذهنية عن جسمي أفضل وأنقى قد انطلق بالفعل!

تشير الدراسات المتنوعة حول العالم بالفعل إلى الأثر النفسي السلبي الذي تتركه سن مكسورة على الأطفال.. صعوبة في الابتسام، صعوبة في الحديث أمام العامة، صورة ذهنية سلبية جدا عن الجسم، خصوصا في زمن انتشار مواقع التواصل الاجتماعي وانتشار التقييم الذاتي السلبي للمظهر بين الشباب حول العالم، بالإضافة لاحتمالية أكبر للتعرض للمضايقة والتسلط والتنمر وما ينتج عنه من جروح نفسية عميقة..

لم أكن أعلم أن سني المكسورة قد حرمتني طول السنين من خوض تجربة إجتماعية أكثر غنًى وعمقا.. وأكسبتني عادات سيئة من مثل وضع اليد على الفم أثناء الضحك، أو الضحك بفم مغلق!.. رغم أنها رافقتني طوال تلك السنين إلا أنها لم تترك بداخلي عقدا نفسية أو أي صعوبة في تجاوزها، فكان مجرد استعادة المظهر انتهاء كاملا لمرحلة سابقة.. لكن ليس هذا الحال دائما عند جميع الأطفال أو الشباب..

انتهاء.. إذا تعرضت لأي كسر، أو أحد من عائلتك أو أبنائك، فأسرع لعلاج ذلك، من أجل استعادة المظهر وتجاوز أي آثار نفسية قد تحرمك أو تحرمه من عيش تجربة إجتماعية صحية بعيدا عن القلق واحتمال تطور ذلك لمضاعفات أكبر..

وإياك أن تتخذ عيبا جسديا في إنسان ما محل سخرية.. فبالإضافة إلى أن ذلك عمل حقير جدا وليس أكثر من كونه لونا من ألوان التنمر والتسلط فإني لا أضمن أن ينساك دماغه يوما ما.

الإعلان

2 Comments اضافة لك

  1. Maria كتب:

    في زمن بعيد، كنت فتية، كنت أحتسي الماء بالملعقة، كأي رضيع، كانت ابنة خالي، والتي تصغرني بسنتين، واقفة أمامي أرادت أن تضفي للتجربة مرحا، كما كانت تعتقد، فحاولت انتزاع الملعقة من فمي لكن محاولتها كانت قاسية، شعرت بألم إثر ارتطام الملعة بسني فازددت أما حتى دمعت عيناي حينما استقر جزء من سني في راحة يدي، هرعت إلى المرآة أتفقد فمي و أتبين أي الأسنان فقدت جزءا منها فوجدتها سني الأمامية..! لأيام تلت زرت طبيبا ليُعدلها فقد آلمني منظر ابتسامتي، لسبب ما، بدل أن يصلحها زادها تعطيبا، و بمرور السنوات أصبحت سني الأمامية سوداء فاقدة جزءا منها. حينما أرى ابتسامتي في المرآة أتذكر ذلك اليوم اللعين حينما زرت فيه الطبيب….. لا أتذكر أشخاصا كثرا وضعوني موضع السخرية إلا شخصا واحدا… الآن كلما رأيت ابتسامة أحد بأسنان كاملة ناصعة تحسست سني وشعرت بالخزي، أفكر في إصلاح العطبين و آمل أن لا يكون هناك عطب ثالث.

    Liked by 1 person

    1. لن يكون بإذن الله.. أظن أن إصلاح ذلك السن ليس بالأمر الصعب على أطباء الأسنان المتمرسين.. احرصي على ذلك في أقرب فرصة حتى تتخلصي من مصدر قلق كبير جدا.. أتمنى أن تسترجعي ابتسامتك قريبا 🙏😊

      Liked by 1 person

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s