إشكالية خطاب المنبر تجاه المدمنين (الجزء الثاني)

لكل من اطلع على مقالي السابق حول موضوع الإدمان وكيفية تعامل (بعض) المشائخ معه وتناوله دعني أكتب إليكم هذا:

📌 المدمن مسؤول مسؤولية كاملة تامة عما يقوم به وعما قد تصل إليه حياته.. وعلى المجتمع مسؤولية الأخذ بيده..

📌 يعاني المدمنون بأي نوع من الإدمان (الكحوليات، المخدرات، الإباحية، الألعاب الإلكترونية… الخ) بالعزلة الشديدة، وفقدان الترابط الإجتماعي، والذي قد يصل أحيانا لدمار نفسي كامل.. وما تقوم به المجتمعات عموما حول العالم هي أنها تقطع كل الدعامات الإجتماعية بمجرد اكتشاف أن شخصا ما مدمن على شيء ما (فقدان الوظيفة، إبعاد الزوجة، ممارسة رفض اجتماعي شامل… الخ) ما يجعل الأمور تتفاقم أكثر وأكثر، ما يجعل الشخص يغوص في الإدمان أكثر بينما يعتقد من حوله أنهم يقومون بذلك من أجل إرجاعه لجادة الصواب!

📌 لا يمكن لأي عاقل له ذرة من الإنصاف والحكمة أن يشمل بأي وصف أو تحليل أي ظاهرة كانت كلَّ المنابر والمشايخ!.. أقول هذا لأنه من المستحيل أصلا أن يُخضِع الجميع للدراسة.. ولأني أستحضر الآن كـ(أمثلة) طريقة عرض الدكتور “باحمد ارفيس” مختلف أنواع الإدمانات، وما عرضه الداعية “مصطفى حسني” قبل أيام في برنامجه (على أبواب الفتن) في موضوع “فتنة الإباحية”.. عروض كتلك توضح مدى اطلاع معدّيها على الموضوع وتحضيرهم الجاد له، مع الإعتماد على الأدلة والأسس الشرعية.. لذا فحديثي كان عن الصورة العامة أو التوجه العام التقليدي لخطاب المنبر..

📌 هل رواد المنابر فقط هم المعنيون بالمشكلة؟.. لا طبعا.. فحديثي عن فئة مَّا لا يعني أن الفئات الأخرى من المجتمع بريئة منه.. كلامي كان خاطرة مكتوبة في ظروف معينة، ولا يمكن لأي نص أي يجتث عن سياقه.. ولا يمكن أيضا أن ننفي أهمية المنابر ومركزيتها في بناء المفاهيم والتصورات داخل المجتمعات الإسلامية..

📌 إشكاليتي الحقيقية مع أي خطاب (على أي مستوى كان) يتناول موضوع الإدمان هو الإستخفاف بمشكلة الإدمان العميقة وتناولها كإشكالية بسيطة سطحية لا تحتاج لأي مجهود يذكر.. فالمدمن بإمكانه أن يتخلى عن إدمانه بقرار بسيط! وما استمراره فيه إلا تعنت منه!.. فإن كان الأمر هكذا ببساطة فلماذا سمي الإدمان إدمانا برأيك؟

📌 التحريم النهائي للخمر والأحاديث التي تتحدث عن حال المدينة والصحابة عندما نزلت آخر آية تحرم الخمر بشكل تام “يأيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه”، أستفيد منها شخصيا درسين هامين :
     👈 أولهما هو التدّرج في التحريم.. لا يعني بالضرورة أنه يجب أن يكون هنالك تدرجا في التخلي عن المادة المُدمَن عليها (فمعالِجوا الإدمان على الإباحية مثلا قد لا ينصحون المدمن عليها بالتدرج في ذلك، لأن الأمر يعني الرجوع إليها برغبة كاملة بدعوى التدرج، فيقع المدمن في مستنقعها مرة أخرى، فتكون بهذا دعوى التدرج سببا في الإنتكاسة) لكن يعني أن التخلص من الإدمان رحلة تعافٍ طويلة..
     👈 ثانيهما هو الظرف الذي نزلت فيه آية التحريم النهائي.. كان الخمر يستبعد شيئا فشيئا عن الحياة العامة بسبب التحريم المتدرج، ويتعالى عنه من أراد تزكية نفسه، لكنه كان متواجدا ومستعملا، فالتخلص النهائي منه كان عملا مجتمعيا كاملا.. ويروى في الأحاديث كيف أن المنادون يجوبون الشوارع ينادون وينبهون الناس لأمر التحريم الذي نزل.. هنا سيجد المرء نفسه (ولو قضى 90 عاما في شرب الخمر) ملزما بأن يتخلى عنها، استجابة لأمر الله أولا، وبفعل العامل المجتمعي ثانيا ( تلك الصور من الناس الذي يسكبون ما لديهم من الخمر في الشوارع بالإضافة للوضع الذي سيكون عليه أحدهم لو قرر عدم الامتثال لأمر الله والمجاهرة بذلك).. كل هذا يعطينا صورة عن أهمية ومركزية الدعم الإجتماعي وفكرة الإجتماعات مع المدمنين الآخرين من أجل مشاركة التجارب والتواصي على المواصلة في طريق التعافي (مجموعات التعافي التي يديرها فريق واعي مثلا)..

📌 الحديث التوعوي الموجه لعامة الناس يختلف تماما عن الحديث الموجه للمدمنين أنفسهم.. قد يكفي التذكير بالله وعِظَم المعصية وخطورة الوقوع فيها من أجل رفع الدفاعات ومنع الوقوع في الإدمان إذا كان الكلام نصائحَ موجهة نحو العامة.. أما في الحديث الموجه نحو المدمنين فالجانب الروحي هو إحدى الجوانب الثلاثة التي تقوم عليها برامج العلاج من الإدمان، مع الجانب العقلي (من خلال تطبيقات يومية من أجل تقوية العقل الواعي المنطقي والفكري) والجانب البدني (كالرياضة اليومية والأكل الصحي مثلا)..

📌 “الدعوة للنزول إلى الميدان” برأيي هي أسوء حجة يتم استعمالها مؤخرا من أجل التطبيع مع الرداءة والدفاع عنها.. وجود شخص في الميدان لا يرفعه عن مستوى النقد.. وغياب الشخص عن الميدان أيضا لا يسحب عنه حق توجيه النقد!..

📌 إن كنت تسأل عن الحل بعد مقال صغير بذلك الحجم يتناول موضوعا ضخما تناولته آلاف الصفحات من الكتب فدعني أتفهم ذلك.. إما أن تأثير العالم المتسارع، والمعرفة الخفيفة، والمعلومات السهلة المتناثرة على مواقع التواصل، قد بلغ بك مبلغا خطيرا فأنصحك بتدارك الأمر سريعا.. أو أنك من طبيعة الأشخاص الميدانيين الذين جبلهم الله على الفعل والتوجه نحو العمل مباشرة، فلا يصبرون على دراسات الظواهر ولا التحليل ولا النقد، فهنا أنصحك بعدم توجيه سؤال “وما هو الحل؟” في المرة القادمة التي تجد فيها أحدهم ينتقد أو يحلل أو يدرس شيئا ما (لأنه قد سأل نفسه ذلك السؤال غالبا ألف مرة)، ولكن تجاوزه فقط وابحث عن الحلول الموجودة في الميدان.. كما أنه ليس مطلوبا من كل من انتقد أن يقدم حلا بديلا، ولا أن غياب البديل يعني عدم صحة النقد..

📌 أحد أسوء نتائج فتح التعليقات على الجميع هو دخول أي شخص إلى المنشور ليعطي دروسا حول ما يجب أن يتناوله الإنسان من مواضيع وما لا يجب في صفحته الشخصية!.. أما من رماني جزافا بأوصاف بكوني من هب ودب، أو بكوني قرأت حرفين وكتبت فمن الأفضل أن أشفق عليك..

رمضان كريم ❤ وصحا فطوركم 😌

الإعلان

4 Comments اضافة لك

  1. صفية كتب:

    السلام عليكم .
    هذه أحد المواضيع التي تشغلني مؤخرا وقد استلزم مني الأمر التصرف مع شخص وقع في هذا الادمان وكم كان الحمل كبيرا والمسؤولية أكبر ؛ أي حركة خاطئة تزيد الوضع تعقيدا . والحمد لله حاولت دراسة الموضوع مع الشخص المعني من الجانب العلمي ثم لوحده واصل وقد أفاد كثيرا ☺
    مقالك السابق أفادني كثيرا و الجزء الثاني زاده حجة وقوة بارك الله فيك ، أتابع مدونتك وقناتك على التيليغرام منذ مدة ورأيتك كتبت كوصف لها “من يصبر على كلماتي وخواطري …” وفعلا لا يقرأ لك إلا من يصبر ويرى الموضوع دون تعصب أو عنف فشكرا لك . واصبر على من ينتقدك شخصيا ، ولا تقصر في الرد كما فعلت في هذا 👏 بالتوفيق وزادك الله من فضلك .

    Liked by 1 person

    1. محقة جدا.. فلا يعلم حالة المدمنين ووضعهم النفسي إلا من كان مدمنا أو رافق مدمنا واقترب لعالمه..

      وفقنا الله للكلمة الطيبة.. شكرا جزيلا على متابعتك.. انشري قنواتي مع من يهتم بما أنشر إن كانت تستحق ذلك 😊

      إعجاب

  2. كنت موفقا في موضوعك الأول معنًى لكن أحسب انك غفلت عن “بعض” المبنى. لما قرأت المقالة أول مرة لم أجد فيها ما يحمل عليك، لكن لما رأيت ردود الفعل أعدت قراءة النص لأجد فيه بعض التجاوز والتعميم المتعسف، في البداية تحيرت لِم لم أدرك ذلك بدايةً، ثم زال العجب بعد ذلك إذ أني أعرفك وأعرف ما ترمي إليه. لكن غيري لا يقرأ بالضرورة كما قرأت أنا، فنصك ليس أنت وليس فكرك، وإنما كيان ناتج منه ومستقل عنه. لذلك ربما من الأحسن مراعاة هذا كي لا يبتعد فهم القارئ عما ترمي إليه.
    أما المتحاملين فهم أجدر بشفقتك كما قلت.

    Liked by 1 person

    1. حقيقي جدا.. لم أتوقع أن يتجاوز المقال عتبة أصدقاء صفحتي الذين يعرفونني ويتابعونني من مدة..

      ومحق عندما قلت أن النص كيان مستقل ككلمات لأن قارئ تلك الكلمات لا يملك الفرصة دائما ليعرفني، أو حتى لا يعطي نفسه فرصة ليتعرف علي أو يشكك في المعنى الأول الذي يقع عليه من المقال..

      وفقنا الله للانتباه لهذا الأمر مستقبلا بإذن الله 😊

      Liked by 1 person

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s