طريقة تعامل المشائخ ومن يعتلون منابر الوعظ بالمساجد مع موضوع الإدمان غريب جدا.. كل أنواع الإدمان، من المخدرات إلى الكحول وحتى للإباحية.. طريقة أقل ما يقال عنها أنها بعيدة كل البعد عن الطرق الصحيحة للتعامل مع ذلك النوع من المدمنين.. وأبعد ما يكون عن البحوث العلمية والإكتشافات المتوالية..
أكثر ما يجيدونه هو تدوين نقطة الحديث عن المدمنين في ورقة تحضيرية للدرس، وما إن يصلوا إليها حتى ينطلقوا في الصراخ واللوم ورفع الصوت عليهم والتشكيك في عقيدتهم وإيمانهم ووازعهم، وكيف أنهم لا يتحملون مسؤولية أنفسهم وما إلى ذلك.. كل ما يجيده الشيخ هنا هو ترديد ما سمعه عن شيخه عندما كان يجلس بين يديه قبل سنوات طوال.. نفس الحديث ونفس الكلام الذي نسمعه في التسجيلات القديمة نجده يتردد اليوم.. فيستنتج الواحد أن هؤلاء يرون هذا الموضوع سهلا ولا يحتاج لأي تحضير مسبق.. يكفي أن تدونه في ورقتك، وعندما تصل إليه انطلق في اللوم والصراخ، وبعد دقائق أخفض صوتك قليلا وأشعرهم ببعض الشفقة، ثم انطلق للنقطة الموالية، أليس هنالك أسهل من هذا!
انضمامي مؤخرا لدورة مطولة للإعداد والتكوين للإشراف في إحدى برامج المرافقة للتعافي من إحدى أنواع الإدمان جعلني أفهم الموضوع بشكل علمي معمق، وأرى أن تلك الطريقة التي تنتهجها المنابر في الطرح أبعد ما تكون عن الصواب.. بل قد تكون سببا في الإنغماس أكثر.. فاللوم وجلد الذات أكثر ما يُنهى عنه من ينطلق في برنامج التعافي..
أكثر مفهومين خاطئين (ضمن مجموعة من المفاهيم الخاطئة) يروج لهم المشائخ بطريقة طرحهم تلك هي ما يلي:
⛔ أن المؤمن والمعتقد بالله وصاحب الإيمان القوي يستحيل أن يقع في أي نوع من أنواع الإدمان.. والحقيقة أن الجميع على بُعد خطوة واحد وخيط رفيع من الوقوع فيها، فلا أحد في مأمن عنها، خصوصا عندما تجتمع السرية بالوفرة بسهولة الوصول، وأقصد بالذات إدمان الإباحية.. والحقيقة الأخرى أن أغلب المدمنين يشعرون بالندم من فعلتهم، ويشعرون بالأسى من وضعهم، ويشعرون بالذنب لما آلوا إليه، لكن إدمانهم أعلى وأقوى من إرادة تغييرهم ومن قرارات عقلهم الواعي.. لذا فهم ليسوا بحاجة لمن يصرخ عليهم أكثر، هم بحاجة لمن يفهمهم ويأخذ بيدهم بطرق علمية صحيحة تصل بهم لبر الأمان..
⛔ والمفهوم الخاطئ الثاني أن من يعاني من أي إدمان إنما يفعل ذلك بكامل وعيه، ويقصد تدمير أسرته وعائلته ومشروع زواجه.. أو لا يهتم بدراسته.. ويفعل كل ذلك قصدا منه وإصرارا.. لكن الحقيقة المؤلمة أن بداية الطريق غالبا ما تكون في لحظة ضعف، أو في لحظة غفلة، ثم يجد نفسه في دائرة مقيتة من الإدمان، يفهمها جيدا ويلعب على وترها من يروج لتلك المواد الكيميائية أو المصورة، كيف لا يفعلون وهي تجارتهم ومصدر عيشهم!
التعافي من الإدمان أبعد ما يكون عن اللوم والصراخ في وجه المدمن.. لأنه غالبا ما يكون على علم بما تقوله ويحفظه عن ظهر قلب.. قد يجعله حديثك يستيقظ لفترة لكنه ما يلبث أن يعود مرة أخرى وتجذبه دائرة الإدمان مرة أخرى.. رحلة التعافي هو محاولة لبناء نمط حياة مختلف، بعيدا عن الإشارات المتناثرة في المحيط.. نمط مليء بالعادات الجديدة والأدوات العملية العلمية التي تساعد المدمن في لحظات الضعف..
لا تتحدث عن أي موضوع على المنبر قبل أن تبحث فيه جيدا.. وترى ما يقول فيه المتخصصون.. فالمنبر أمانة.. وعليك أن تزن كل كلمة تقال فيه..
عافانا الله وإياكم.. ووفق الله المدمنين الذي يحاربون بكل جهدهم في رمضان كأفضل فرصة لهم من أجل حياة مختلفة أجمل وأنقى..