بداية وكتنويه.. ما ذكرته هنا هو نقل مباشر لأفكار الكاتب.. لم أورد أي رأي لي بخصوص ما كتبه.. الأسئلة التي راودتني أثناء القراءة أكثر من تلك التي حاول الإجابة عنها.. لننطلق..
مقدمات
يشير في مقدمته الأولى كيف أن حركة النهضة التي انطلقت في أوائل القرن التاسع عشر وفي ظل حالة الضعف والوهن الذي يعيشه المسلمون، حاولت طبقة من المثقفين أخذ طريق تطويع المصطلحات الإسلامية لمفاهيم الغرب.. حيث جعلت أواني الإسلام حاملة لمحتوى وفكر غربي خالص.. ويعتقد أن الأمر راجع لمركب النقص الذي تحدث عنه مالك بن نبي، والذي لاحظ غيابه عند جيل الأوائل من الصحابة وذلك “لأن الإمكانيات الحضارية المتكدسة أمامهم في فارس أو في بيزنطة أو في روما لم تفرض عليهم النقص، وبعبارة أخرى لم تبهرهم” حسب تعبير بن نبي.. ويشير أن بن خلدون قد تطرق للموضوع في فصل عنونه ب”الفصل 23 : في أن المغلوب مولع أبدا بالاقتداء بالغالب، في شعاره وزيه ونحلته وسائر أحواله وعوائده “.. ثم أشار الكاتب أن هذا لم ينتج منه سوى خضوع وخنوع أكثر، فبينما كانت غاية من سلكوا ذلك الطريق هو الظهور بثوب المتحضر عن طريق تقليد الغالب، لكن الأمر لم يعط أي نتيجة إيجابية في واقع المسلمين، بل زادهم ذلا، وجعل الفكر الغربي ينتشر في أوساط المسلمين أكثر فأكثر..
ثم يشير في مقدمته الثانية أن القوى الليبرالية العالمية تحاول إضعاف التوجهات الإسلامية التي لا تتماشى مع مصلحتها وتوسيع نفوذها.. بينما تحاول تعزيز الوجود والظهور الإعلامي للأفكار والتوجهات التي لا تعارض مسارها، “وتمنح مقاعد الذروة لرموز الخطاب الدعوي المدجن الذين يدفعون باتجاه تفتير مفاهيم العزة العقدية والاستعلاء الديني على الفكر الغربي” حسب تعبير الكاتب.. ويشير إلى أن وسائل ذلك هي مراكز الدراسات التي تركز على الحركات الإسلامية ومدى تعارض أفكارها مع الهيمنة الليبرالية، ومن وسائل ذلك أيضا الضغط المباشر وغير المباشر على حكام الدول المستضعفة من أجل إخلاء السبيل أمام أفكار على حساب أفكار أخرى.. المؤامرة موجودة طالما توجد قرائنها.. الغباء في تهويل الأمور وجعل ما ليس مؤامرة مؤامرة، لكن المؤامرة موجودة ولا ينكرها عاقل، لأن فكر الاستحواذ والهيمنة الذي تقوده أمريكا يتطلب إزاحة كل ما يعيق طريقها.. ونلاحظ أن أغلب المواضيع المثارة حاليا أو كلها، هو تعارض الأحكام الإسلامية مع الفكر الليبرالي، لكن لا أحد يثير نقاط تعارض تلك الأحكام مع الثقافة الهندية أو الإفريقية أو ما شابه!.. لا يفعلون ذلك إلا بسبب الخضوع للغالب ورؤيته بعين الكمال والتهويل..
مداخل نظرية
+التناظر بين الاستبداد السياسي والاستبداد الثقافي:
يشير الكاتب هنا إلى وجود تشابه بين الذي يخنع ويركع بمستبد سياسي فيجد نفسه يأتمر بأوامره وينتهي بنواهيه ويستغل النصوص الشرعية ظنية الدلالة ليشرعن أفعال مستبعده ومستبده، وبين الذي يخضع ويخنع للثقافة الغربية الليبرالية الفردانية فيجد نفسه يأخذ بمعاني النصوص التي توافق رؤية تلك الثقافة ورأيها بدل المقارنة بين الدلائل بشكل علمي… ويرى هنا أن الثقافة الغربية قد غالت في مد حرية الرأي لأقصى الحدود، لكنها قننت الفعل وقيدته لكن حسب أهوائها.. وهذا يتنافى مع الشريعة الإسلامية.. ويرى أن بيان ضلال طائفة ما شيئ قد قام به علماء السلف بينما يحاول المتأثرون بالثقافة الغربية القول أن ذلك تعدٍ على حرية الطوائف.. وكذا عبارة “حريتك تنتهي عندما تبدأ حرية الآخرين” ، “انتقد الفكرة لا الأشخاص”، كل هذا حسب رأيه فكر ليبرالي غزا رؤوس الكثير من الشباب بينما لا أصل له في الشريعة.. وعلاج هذا الأمر حسب رأيه يكمن في “ضخ مفاهيم العزة والكرامة والإباء والشموخ وقيمة المسلم ونحو هذه المنظومة المفاهيمية” حيث يأبى من ينشأ فيها الخضوع لأي مستبد سياسي أو ثقافي..
+ الخضوع المضمر للثقافة الغالبة :
هنا يحاول الكاتب الإشارة إلى أن المتأثرين بالفكر الغربي والثقافة الغربية غالبا ما يدعون عكس ذلك.. لكن الأصل في الأجزاء والفروع والأحكام والاستنتاجات التي يصلون إليها في كل مرة فهي التي تؤكد الأصل الذي يعتمدون عليه بوعي منهم أو دون وعي.. فهم يحاولون حسب قوله لَيَّ النصوص وتحوير معانيها، وإضعاف دلالتها أحيانا، والبحث عن نصوص ضعيفة أخرى أحيانا أخرى، ولا يفعلون ذلك إلا ليصلوا لنتيجة لا تعارض التوجه الغربي.. رغم ادعائهم أن ما يفعلونه إنما هو تجديد للنص ومحاولة فهم جديدة بعيدا عن أي مؤثرات خارجية، يقول الكاتب هنا أن هذا الأصل جميل ولا يمكن معارضته، لكن النتائج التي يتوصلون إليها بعد ذلك توحي لميل نحو ثقافة الغالب.. فعقوبة المرتد طالما كانت شيئا موجودا في تاريخ المسلمين من فقهاء وقضاة الصحابة والتابعين وأتباع التابعين، وحتى جهاد الطلب، والحسبة والإنكار كذلك، فما التفريق الذي ظهر مؤخرا بين التعدي على الآخرين والمنكر الشخصي إلا أثر واضح للثقافة الغالبة.. يقول هنا ألا شيء تغير والوحي هو نفس الوحي لذا فأي تغير في الآراء إنما هو تأثر بالفكر الغالب..
+مصائر الخضوع للثقافة الغالبة :
يذكر الكاتب أن هنالك نوعان من الافتراء والكذب على الله، افتراء بالألفاظ وذلك بالتحريف والتقوّل على الله ورسوله ما لم يصح عنهم، وافتراء بالمعاني وذلك بتحويل وتحوير المعاني التي أرادها الله تعالى في وحيه وفي سنة نبيه.. يعتقد الكاتب هنا أن المبتدعة من الفلاسفة في العصور الأولى انبهروا بفلسفة اليونانيين فكان افتراؤهم في مجال العقيدة، وانبهر مبتدعة عصرنا بالغرب فكان افتراؤهم على الدين في مجال التشريع، في “قضايا المصلحة المرسلة، والمقاصد، والحدود الجنائية، والربا، والحجاب، والقوامة، والجهاد، والولاء والبراء، وأحكام الذميين، والحسبة على المنكر، والموقف من المخالف، ومنزلة العلوم الدنيوية، ونحوها من قضايا التشريعات العملية”.. وحاول هنا الإشارة إلى الخطورة الكبرى للافتراء على الله حتى أن الله ذكره بعد الشرك بالله، في درجة أعلى منه..
الفصل الأول: استقبال النص
+عزل النص عن التجربة البشرية:
حاول الكاتب تحت هذا العنوان الرد على مفهوم “تجريد الإسلام” أي أن الإسلام فكرة لا ترتبط بأي تجربة بشرية.. والمقصود من هذا المفهوم أن علينا الأخذ بالإسلام كفكرة بعيدا عن فهم الصحابة والأوائل لها.. حاول الرد عليها بسرد أدلة وآيات وأحاديث تمجيد السلف الأول والدعوة إلى اتباعه “والسابقون الأولون”.. “ويتبع غير سبيل المؤمنين”.. “عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين”.. وقال في الرد على الإشكالية القائلة أننا لا يمكن اتخاذ الصحابة مرجعا لأن كل الطوائف تدعي اتباعها لهم، أن “الاختلاف في الدليل لا يسقط دليليته”.. وقال في عبارة صريحة “أن صحة تدين المرء واهتدائه في دين الله فرع عن تعظيم السلف واعتقاد كونهم أكمل منا دينا وعلما” وأي خلل في اعتقاد هذا خلل في صحة الدين والإيمان..
+توظيف مفهوم الوسطية:
هنا يشير الكتاب إلى وجود معنيين لمفهوم الوسطية في القرآن، وسطية محمودة بين باطلين “اهدنا الصراط المستقيم “” وكان بين ذلك قواما”.. ووسطية مذمومة تكون بين الحق والباطل” مذبذبين بين ذلك ” “الذين يتربصون بكم فإن كان لكم فتح من الله قالوا ألم نكن معكم وإن كان للكافرين نصيب قالوا ألم نستحوذ عليكم ونمنعكم من المؤمنين”.. ويقول أن المسجونين في معتقلات الثقافة الغالبة يحرفون الأحكام الشرعية لتكون وسطا بين فهم السلف والفكر الغربي، ثم يتبجحون بمصطلح الوسطية على القنوات والفضائيات، رغم أنهم لا يخوضون إلا سبيل الوسطية المذمومة في القرآن..
+تقنية التبعيض:
يقول الكاتب هنا أن العامل المشترك بين المعتقدين بالمذاهب الفكرية الأربع من المسلمين (العلمانيون والليبراليون والتنويريون واليساريون) يتبعون تقنية “تجزئة الوحي” بحيث يأخذون منه ما يوافق نظريات مدارسهم الفكرية ويدفعون ما غير ذلك.. وأن هذا هو العامل الأساسي الذي يختلفون فيه عن أهل السنة والجماعة والذين يتبعون منهج “استيعاب الوحي”.. ويشير أيضا أن نفس الأساس والتقنية التي يتبعها أصحاب المذاهب الفكرية المعاصرة كان قد اتبعتها الطوائف التراثية العقدية من المعطلة والقدرية والجهمية وغيرهم، والسبب يكمن حسبه في مشاركة عامل الارتهان لسلطة الثقافة الغالبة.. لذا فيعتبر اتباع هذه التقنية نوعا من “الإيمان المشروط” أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض”..
+قطعنة الشريعة:
يقول الكاتب عن المتأثرين بثقافة الغرب الغالب أنهم يحصرون الشريعة فقط في قطعي الثبوت والدلالة وأنهم فوق ذلك لا يتورعون عن التمسك بأدنى شبهة ليقدحوا في تلك القطعية فيحصرون الشريعة في زاوية ضيقة مرة أخرى.. و” كل مسألة شرعية غير قطعية عندهم فلا حرمة لها ولا كرامة، فيجوز تركها من باب التجديد، الذي هو عندهم شرعنة مفاهيم الثقافة الغالبة”.. وإنهم في المقابل من ذلك “يتوسعون جدا في جعل غالب الشريعة ظنيا”
+مؤدى غثاثة الرخص:
مراده هنا أن التيارات الفكرية المعاصرة تستند أيضا إلى تتبع الرخص بهدف شرعنة بعض عناصر الثقافة الغالبة.. وتتبع الرخص هو الأخذ بالأقرب إلى النفس والهوى عندما تتعارض اجتهادات العلماء، بدل عرض تلك الاجتهادات على الدليل ومحاولة الترجيح بينما تحت حاكمية الدليل الشرعي.. ناقش مطولا من نصوص التراث كيف أن أمر تتبع الرخص منبوذ وأنه من باب الزندقة وأن الكثير من السلف قد كتبوا فيه.. وأساس رده على أن الأخذ بالرخص اتكاء على أساس هش هو أن المجتهد الذي يقدم رخصة ما لا يقول بالرخصة الأخرى، وجمع الرخص يجعل المرء يتبع دينا أبعد ما يكون عن دين الله!
+حاكمية الذوق الغربي:
تحت هذا العنوان أراد الكاتب توضيح الخلل في عبارة “تجديد الفقه الإسلامي ليتناسب مع العصر” الذي يردده عبيد الثقافة الغالبة حسب تعبيره.. وأخبر أن من يطبقونه ويأخذون به يفعلون ذلك في قضايا المرأة والجهاد ومواضيع أخرى ويتحاشون الأخذ به في مواضع.. فاستطرد يعد المواضيع التي إن استمررنا في الأخذ بالذوق الغربي فيها فسنلغيها من الإسلام تماما.. فمناسك الحج مثلا والتي قد تعتبر وثنية في الإسلام حسب الذوق الغربي، صيام رمضان الذي يؤثر على إنتاجية الفرد الحالي، والصلاة وسط أوقات العمل، تحريم أي علاقة بين الجنسين قبل الزواج، تحريم الخمر والربا واللذان يعتبران أحد معالم المنظومة الغربية، ووجود الجن الذي قد يعتبر صفة خرافية حسب رأي الغرب، وجود مفاهيم وأحكام في القرآن الكريم تعارض الذوق الغربي؛ كتشبيه الكفار بالدواب والأنعام والكلاب والحمير، وكتحريض وتشويق الإسلام للقتل الذي يتعارض مع الذوق السلمي المعاصر، وكتلك الأحكام الجنائية من قطع للأيدي والأرجل من خلاف وفقء العين وجدع الأنف وبتر الأذن وكسر السن في القصاص، وأن القرآن مملوء بإجازة الرق وتشريع أحكامه كتشريع وطء الأمة، ومتضمن لآيات تدفع كلها باتجاه تضييق حراك المرأة، وأخرى تميز الرجل على المرأة في القوامة والميراث وإعطاء الطلاق لهم.. هنا يقول أن سلوك ذلك الطريق من جعل الذوق الغربي حكما يجعلنا نضع الوحي في درجة أقل منه ونجعله حكما عليه، لكن الواجب عكس ذلك، أن يكون الوحي في درجة أعلى ويكون حكما على الذوق الغربي..
+ضغط الثقافة الغالبة على الشعائر، صلاة الكسوف نموذجا:
هنا يحاول الكاتب الإشارة إلى صلاة الكسوف، والرد على من يقول أنها لم تعد لها قيمة ما دمنا نستطيع التنبؤ بها، وأنها لم تصبح ظاهرة مخيفة كما كانت للأولين.. هنا يحاول الإثبات من نصوص الأولين أن العلم بمواعد الكسوف والخسوف قديم قبل تشريع الله لصلاة الكسوف حتى.. وأن الهول والخوف ليس في عدم التنبؤ بالأمر وإنما في هول الأمر نفسه، فغياب ضوء القمر شيء عظيم لمن له قلب وعقل يقظ، يذكره بالقيامة وأهوالها.. وحسب قول الكاتب فإن “الهدف من معالجة هذا النموذج كشف الجهل الفادح لدى كثير من المهولين للثقافة الغالبة، وتسرعهم في تبني مواقف خاطئة شرعا وتاريخا..
الفصل الثاني: العلوم المعيارية
+تعديل الجهاز الدلالي:
يحاول هنا الرد على المتأثرين بالثقافة الغالبة بخصوص موضوع” تجديد أصول الفقه” وأنه جهاز من اختراع “الشافعي” وأنه قد تم لحاجة القرن الثالث الهجري الذي عاش فيه ويجب تحديث تلك الأصول حتى تتناسب مع عصرنا.. حاول أن يثبت أولا أن الشافعي ليس مؤسس أصول الفقه، بل كانت موجودة منذ أن نزل أول حرف من القرآن واكتملت بوفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، وما قام به الشافعي كان إفراد مؤلف خاص بها ثم رفع تلك الأصول من المستوى العملي إلى المستوى الفكري (التنظير)، ثم حسم في بعض مواضع الخلاف بالترجيح المبرهن.. ثم تطرق لموضوع العقل وهل يمكن أن يكون مصدر تشريع كما يدعوا إلى ذلك أصحاب الحداثة؟.. في هذا تناول كل المجالات التي يكون فيه العقل حاضرا بشكل أساسي، من فهم النص إلى القياس والاستصحاب والسياسة الشرعية ومقاصد الشريعة والترجيح بين الأقوال وتصحيح الأحاديث وتضعيفها، أما أن يكون العقل نفسه مصدرا للتشريع (وليس أداة فقط كما الحال في العلوم التي ذكرت سابقا) فيذكر أن العقائد والشعائر أمور توقيفية لا يجوز فيها الاجتهاد، فلا يمكننا أن نعتقد بالله ولا أن نعبده بطريقة إلا وهي منصوصة شرعا.. أما الشؤون المدنية فهي اجتهادية..
+التركيز على الرواة المكثرين:
المهللون للثقافة الغالبة اليوم يتبعون قانون “تأويل القرآن وتضعيف السنة”.. حيث يكون تضعيف السنة بالتشكيك في مرويات كبار الصحابة الرواة للحديث كأبي هريرة.. حاول في هذا المقال أن يرد على الكثير من الأسئلة المتعلقة بالسنة وبأبي هريرة خصوصا، عدد مروياته وانفراده بالأحاديث الكثيرة واستشكال قصر مدة الصحبة (أبو هريرة وصحابة مكثرون آخرون ومدة صحبتهم القصيرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم) واستشكال نهي عمر لأبي هريرة عن رواية الحديث واستشكال معارضة بعض الصحابة لأبي هريرة وإشكالات أخرى.. ويكون تأويل نصوص القرآن بلي معانيها حتى توافق فكر الغربي المنتصر..
+توظيف نقد المتون:
يقول السكران هنا أن المتأثرين بالغرب وأفكاره يوظفون نقد المتون بدعوى الحفاظ على سمعة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكنهم لا يفعلون ذلك إلا حفاظا على ذوق الغربي الغالب وفكره.. وأنهم لا يفعلون ذلك بمنهجية علمية قوية لكنهم ينقدونها حسب أهوائهم..
+تعاكس التجديد:
“الاستحداث في العلوم المدنية مؤشر إبداع مطلوب، والاستحداث في العلوم الشرعية مؤشر تراجع وانحطاط”.. “فالعلوم المدنية يطلب فيها معنى الاختراع وهو موضع الإبداع فيها، أما المعاني الدينية فلا يحمد فيها الاختراع، بل موضع الإبداع فيها القدرة على العودة للأمر الأول” وهذا ما يذهل عنه كثير من الباحثين العرب..
+استراتيجية اللابديل:
هنا يشير أن الخطاب الشرعي السني إذا واجه أي منظومة فكرية أخرى تراثية كانت كالمعتزلة، أو معاصرة كالماركيسية، فإنها ستنتصر عليها حتما.. لكن المثقفون الجدد الخاضعون للثقافة الغربية يسلكون استراتيجية اللابديل حيث يبثون الشكوك دون تقديم أي بديل يمكن مقارنته بالمنهج الشرعي السني.. “فالخطاب الفقهي البديل يمكن الموازنة بينه وبين الخطاب الفقهي السني، أما خطاب اللابديل فهو خطاب يقود إلى النفي المجرد، والنفي عدم، فكيف تستطيع أن تقارن بين حجج العدم والوجود، وإنما يوازن بين وجودين”
الفصل الثالث: نظام العلاقات
+تمييزات العلاقة بالمخالف:
هنا حاول توضيح الكثير من الأسس السنية في موضوع العلاقة بالمخالف مثل: التمييز بين المسائل ذات الدليل الظاهر والمسائل الإجتهادية، التمييز بين من يرتكب هفوة أو خطأ في مسألة أو مسألتين ومن يعارض أهل السنة من أصل فيه، التمييز بين الرأي الذي لم ينتشر وبين الرأي المنشور بين الناس، التمييز بين مقام الدعوة باللين والمعروف ومقام الإنكار والشدة والغلظة مع المخالف، وتمييزات أخرى.. ثم حاول بيان الخطأ في بعض الشعارات الرائجة مثل (هل الإسلام دين هش لنخشى من الشبهات؟) ليقول فيها أن قلوب بني آدم هي الهشة وهي التي نخشى عليها وليس دين الله هو الهش، ومن مثل (لا تكن إقصائيا) و(ليس من حق أحد الوصاية على المجتمع) قال أن الإقصاء والوصاية نوعان واجبة وممنوعة، والإقصاء الواجب لما خالف القرآن والسنة والوصاية واجبة إن كان من يسميها وصاية يقصد بها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. ومثل (يجب أن ننتقد الأفكار دون الأشخاص) أيضا يقول أن السلف قد قاموا بالأمرين، فأحيانا ينتقدون الشخص وأحيانا لا يفعلون وذلك لاعتبارات عديدة من مثل كونه فاضلا، أو لمصلحة مداراة أتباعه لئلا ينفروا، أو ينتقدونه إذا كان ساعيا جادا في ترويج أفكاره الباطلة أو غير ذلك من المصالح الشرعية..
+تفكيك مفهوم الطائفية:
وفي نقده للعبارات المترددة من مثل (مقالة طائفية)، (فتوى طائفية)، (بيان طائفي) يقول: “فلفظ الطائفية لفظ محدث وليس أصلا شرعيا يحاكم الناس إليه، فإن كان المقصود منع ظلم الطائفية المنحرفة فهذا باطل، ونقد الطوائف التي ضلت عن شيء من الشريعة هذا مطلب شرعي وفريضة قرآنية، فكيف صار منهج القرآن في مسلماتكم عيبا ومذمة؟!”
+لبرلة الولاء والبراء:
يذكر هنا في قضية إعادة النظر في موضوع الولاء والبراء التي يدعو إليها الكثير حاليا أن الولاء والبراء قد تحول عند الكثير من الدين والعقيدة نحو الوطن.. فيعتقدون أنه واجب معاداة من يعادي الوطن لكن لا داعي لمعاداة من يعادي الدين والعقيدة!.. هكذا فقد تحول عندهم أساس الولاء والبراء من “الله” إلى “الأرض”.. “فكل مؤمن لابد أن يقوم في نفسه العداوة القلبية الدينية لكل عدو لخالقه ومولاه جل وعلا، فإن لم يجد هذه العداوة القلبية الدينية لأعداء ربه سبحانه فلْبيكِ على إيمانه” على تعبير الكاتب.. ثم يحاول إثبات أن أصل أحكام البراء قد قال بها مشائخ وعلماء من مذاهب السنة الأربعة ردا على من يحاول إلصاقها بالوهابية فقط.. ويذكر أن الموالاة لفظ عام يعني الحب ويعني النصرة أيضا، وهذا ردا على من يقول أن المقصود من آيات موالاة الكفار هو نصرتهم فقط وأن الحب عملي قلبي أقل درجة من النصرة فلا يدخل ضمن نطاق الموالاة.. وبالنسبة لجواز الزواج من الكتابية فيقول الكاتب أن هذا لا يلغي العداوة القلبية الدينية للكفار، وما من مودة في الزواج إنما هي من الأمور الكونية ولا يمكن للأمر الكوني أن يكون دليلا ضد شرع الله، ويضيف إن بالإمكان اجتماع الكره والمودة في القلب، كما اجتمع كره القتال والجهاد وحبه في قلب المؤمن، وحب الدواء وكرهه، وكره السجن وحبه في قصة سيدنا يوسف عليه السلام.. أما بخصوص القول أن الحب عمل قلبي يهجم على القلب ولا حيلة للمرء عليه، فيقول أن كلاما كهذا يجعل الحب خارج نطاق التكليف فأين تذهب كل أوامر الحب والبغض التي أمر الله بها ورسوله؟.. وفي قول أن بعض الكفار يحسنون إلينا فكيف نكرههم وهم يفعلون ذلك، فيقول أن حبهم لنا لا يساوي شيئا أمام كرههم لله سبحانه وتعالى، والله أولى في قلوبنا.. وفي قول أن الكفار متفاوتون فلا يمكننا أن نساويهم في درجة البغض والمعاداة القلبية فيقول أن هذا صحيح تماما فكما تتفاوت درجات الإيمان تتفاوت درجات الكفر..
+مفارقات لبرلة الخلاف:
يشير مرة أخرى أن الكثير من الداعين لتفهم الآخر والرحمة به ولو كان معارضا لدين الله كافرا ما يلبثون ينقلبون أشخاصا آخرين إذا تم انتقادهم أو انتقاد مشروعاتهم، واعتبر هذا انقلابا للموازين وجعلا للنفس في درجة أعلى من الله ورسوله ودينه.. كما يحدث أيضا بخصوص التفريق على أساس الوطن الذي يرونه شيئا مقبولا بينما يرون التمييز على أساس الدين تخلفا، فهؤلاء قد جعلوا الوطن في درجة أعلى في نفوسهم من دين الله..
+كسر الخصوصية العيدية:
هنا يذكر الأحاديث الأربعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم “أبدلكم الله خيرا منهما”، “هل كان فيها عيد من أعيادهم؟”، “لكل قوم عيدا”، “عيدنا أهل الإسلام” بخصوص موضوع العيد ومشاركة الكفار أعيادهم.. يذكر هنا أن رأي مشائخ السلفية هو أن العيد شعيرة من الشعائر وليس مجرد نشاط اجتماعي لذا فلا يجوز مشاركة الأمم الكافرة شرائعهم.. ويذكر أن ما نراه من ألوان المشاركة وتهنئة الكفار بأعيادهم ليس إلا محاولة للظهور بثوب المثقف المعاصر، لكنه ليس إلا تأثرا وخضوعا للثقافة الغربية.. والكثير إنما يفعلون ذلك لسبب نفسي، أو يفعلون نكاية في من يخالفهم من السلفية..
+آيات الغزو:
هنا يقر أن الجهاد جهاد غزو وطلب.. وأن الاستباق إلى الهجوم والجهاد على الكفار شيء صحيح وليس كما يدعي المتأثرون بالغرب أن الجهاد جهاد دفاع عن النفس فقط في حال الهجوم.. ويورد في هذا الآيتين “وقيل لهم تعالوا قالوا في سبيل الله أو ادفعوا” وقوله تعالى “ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم”.. وحديث البخاري عن أنس “أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا غزا بنا قوما لم يكن يغزو بنا حتى يصبح وينظر فإن سمع أذانا كف عنهم وإن لم يسمع أذانا أغار عليهم” وقوله”من مات ولم يغز ولم يحدث به نفسه مات على شعبة من نفاق”… هنا يشير أن حالنا اليوم لا يتيح لنا الغزو لكن علينا أن نحدث به أنفسنا! وإلا متنا على النفاق..
+الجناب المحمدي:
هنا يشير إلى أن أبشع تطبيقات الحرية الليبرالية هو اعتبار سب النبي صلى الله عليه وسلم مسألة خلاف فكري ووجهات نظر.. فأورد من التاريخ قصصا أين كان الحكم القضائي هو القتل في حق من تعرض للجناب المحمدي..
الخاتمة..
يقول المؤلف أن الملاحظ في كل المناقشات السابقة أنها تعود لإشكالية واحدة وهي “نمط فهم الدين في مراحل الاستضعاف أمام الأمم الغالبة”.. وبالنظر إلى قصص الرسل والأنبياء في القرآن الكريم وإلى حال أقوامهم، ثم إلى واقع الرسول صلى الله عليه وسلم وكيف تعامل معه الرسول والصحابة من بعده وتابعو التابعين، يجعلنا لا نشك في أن ما عليه الطوائف الفكرية المنكسرين لضغط الثقافة الغالبة أنه مناقض لطريقة الرسل وأئمة الهدى، وأن ما عليه أهل السنة والجماعة هو “الموافق في الجملة لطريقة الأنبياء وأئمة الهدى ولا يشك في ذلك إلا جاهل بسيرة الطرفين”..