تظهر حالات متشابهة بأعراض متقاربة.. يبدو وكأن هنالك رابطا وهميا يظهر ويختفي بينهما.. يموت أحدهم، يموت شخص ثان.. تظهر حالات وحالات متشابهة بشكل مضاعف.. يجري الأطباء كشوفاتهم التقليدية فلا يجدون جوابا ولا تفسيرا لما يواجهونه.. يحاول البعض طرد فكرة أن هنالك مرضا جديدا قد بدأ بالانتشار من قائمة الاحتمالات، لكن الواقع يأبى إلا أن يؤكد ذلك يوما بعد يوم.. تتضاعف الحالات في مدن مختلفة ومتباعدة..
عصرنا مكننا من العدالة المَرَضِية، فما قد يصيب شخصا في أقصى الأرض قد يصيبك غدا، والمطارات سبيل الأوبئة الجديد، والناقل الحصري إلى كل زاوية من زوايا الأرض.. ينطلق الباحثون في محاولة الفهم، والفهم يعني السيطرة.. يثبت بالفعل ما يخشى الناس سماعه: فيروس جديد تطور وتحول، يحمل طفرة مختلفة تجعل البشرية في مواجهة مباشرة مع عدو جديد غير محتمل، لطالما كان منتَظرا، لكن ملامحه ليست بالوضوح الذي يسمح بالاستعداد المناسب..
يدرس العلماء جيناته، مختلف، لكنه يتشابه بدرجات متفاوتة مع فيروسات أخرى، هنا يحاولون وضع نظرياتهم بخصوص مصدره.. فيروس جديد، فتاك، لم تدرس خصائصه بعد، طريقة انتقاله، بوابة دخوله لجسم الإنسان، أهدافه المحتملة داخل الجسم، ولا طريقة تدميره وأسلحته.. يحصد الأرواح الواحدة تلو الأخرى.. فيجد الباحثون أنفسهم في مواجهة لا يحسدون عليها.. هجوم غير متوقع، من عدو مجهول.. هم الآن أمام أعظم مهمتين: محاولة إسعاف الضحايا على أرض المعركة، وفهم العدو حتى يتمكنوا من إجراء هجمة معاكسة عليه..
هنا وككل مرة، يظهر من يثير البلبلة، أشخاص من خارج المجال العلمي، يعلنون أنهم يملكون الحل، وآخرون يتحدثون بوثوق عن أن الأمر مجرد مؤامرة وصناعة بشرية، وآخرون يتناقلون الوصفات السريعة عبر الواتساب.. فتنشأ معركة ثالثة مع مستهترين يفتحون صدورهم العارية للعدو المجهول الذي لا يعترف بأي تقسيمات ولا أي أوصاف..
وبعد عدة أسابيع يتوصل الباحثون للقاح فعال يتسابق الجميع للحصول عليه.. تتسابق الدول ويفعل الأفراد مثل ذلك.. ينتشر ويأخذه كل المعنيون.. فيبدأ الوباء بالانحسار شيئا فشيئا.. تمر الشهور والسنوات ليصبح شيئا من التاريخ يروى.. يألف الإنسان ذلك الوضع ويستكين.. يخرج الباحثون مرة أخرى ليأكدوا أن ما نمتلكه من أسلحة لا تجعلنا نواجه بكفاءة العدو القادم المحتمل.. لكن من يهتم؟ السياسة أولى، الجيوش والحروب الواقعية أولى، أما الصحة! فما لم نر تهديدا حقيقيا أمام أعيننا فسنعتبر الأمر مجرد تخمينات متشائمة..
بمرور السنوات وتقلبها يتكرر السيناريو ويعود مرة بعد أخرى.. ليأتي يومٌ يعلن فيه الإنسان انتصاره الساحق، أو ربما تستمر الكوارث عليه، ليرفع هو بدوره الراية البيضاء معلنا الإستسلام! قبل أن يُباد نهائيا!