127 ساعة.. درس في مواجهة عراقيل الحياة !

جهز حقيبة ظهره الوفية ومرافقته الدائمة، وامتطى سيارته رباعية الدفع التي طالما حملته نحو المناطق الوعرة التي يعشقها.. كان بصدد عيش تجربة مختلفة تماما عما عاش من قبل، وأي اختلاف.. كانت نهاية الأسبوع، عطلته الأسبوعية التي يستغلها في عيش شغفه وهوايته ككل مرة.. لم يخبر أحدا بوجهته هذه المرة.. غادر منزله وانطلق نحو الطبيعة.. في عمق الصحراء، وأثناء قفزه بين جداري إحدى الشقوق التي يتقن تماما التشبث بها بكل خفة ومرونة، كمن تدرب على الأمر مرات ومرات.. تدحرجت صخرة من أعلى، كان قد اختبر صلابتها قبل أن ينزل داخل الشق.. تدحرجت، فانقضت على يده، حاصرت يده بينها وبين الجدار.. فوجد نفسه عالقا هناك.. لم يكن أمر التخلص من الحجارة يسيرا.. كلفه الكثير، كاد يفقد حياته، لكنه نجا بأعجوبة وكثير ذكاء وفطنة بعد خمسة أيام.. نجا بأقل الأضرار الممكنة.. وأي ضرر ذاك الذي خلفته تلك الورطة فيه وكيف غيرت حياته إلى الأبد..

كان الفيلم بالنسبة لي متعة بصرية استثنائية.. تصوير شخص عالق بيده بين صخرة وجدار في شق ضيق، وإنتاج فيلم كامل مدته ساعة ونصف حوله، يمكن اعتباره تحديا حقيقيا للمخرج.. زوايا التصوير والمشاهد كانت ماتعة جدا.. كان الأمر مزيجا بين الإثارة، الحبكة، قمة العقدة، روعة الطبيعة، والتركيز الكامل المنجذب.. لم أُنهِ الفيلم حتى وجدتني أمام أفكار عديدة ودروس قد نبهني إليها.. دروس في الحياة، في مواجهة العراقيل، في عيش الشغف مهما كانت الظروف.. ولأنها كانت قصة حقيقية كانت دروسا أقوى ونصائح أبلغ..

قد تكون تلك الصخرة أي مشكلة نواجهها في الحياة.. تقف أمامنا فتوقفنا، فتنمو داخلنا شيئا فشيئا حتى تصبح الكل في الكل.. نغرق في التفكير فيها، في لوم أنفسنا على الطريق الخطأ، على بلادتنا، على تهورنا وضعف نباهتنا الذي أطاح بنا.. نشرع في الصراخ واللوم ولعن القدر.. يفرغ عالمنا من كل المحيطين والأشخاص، وقد يخيل إلينا أن العالم بالفعل قد فرغ، فلا يتبقى إلا نحن (أنا) في مواجهة الصخرة.. صحراء قاحلة، جداران بالجنب، شق ضيق لا يكاد يرى، وصخرة أمامنا.. ثم في لحظة هدوء نتذكر أن الأمور لا تدرك بالصراخ والغضب.. نحاول أن نهدِّئ من روعنا شيئا فشيئا.. فلا لوم الأقدار سيغيرها، ولا لوم أنفسنا سينجينا من الورطة.. ثم نجد أنفسنا ملزمين بالركون نحو السكون قليلا، حتى يعلو صوت العقل والفكر على صوت مشاعر الألم والغضب وغياب العقل.. نهدِّئ من روعنا ونستعرض أمامنا كل ما نملك.. نفتح حقائبنا، تجاربنا وسنوات عمرنا، ونضع ما فيها من أدوات وقصص وخبرات ومعارف أمام أعيننا.. لنسأل أنفسنا، ما هو الحل؟.. وكيف الخلاص!..

عندما نواجه مشكلتنا بعقلنا وأدواتنا، نشعر أننا قد انطلقنا بالفعل في سبيل حلها.. بتركيز عال نبحث عن الأداة المناسبة.. ننطلق بسرعة في تجريب الأمر، فالأمر لعبة ضد الزمن.. قد نفقد الأداة وتسقط من بين يدينا، فنجد أنفسنا في معركة جانبية نواجهها لاسترداد الأداة، بعيدا عن المعركة الحقيقية.. لكن الأمر يستحق، فهذه هي الحياة وهذه قوانينها.. تجتاحنا الوساوس والهلاوس والأحلام فتشتتنا، فراغ المكان وعقدة المعضلة يجعل عقولنا تسرح بعيدا، فتنبش في الذكريات، وتخلق الصور، وتوهمنا ببعض منها قد عشناه، وآخر تمني بها نفسها لو يكون فننجو من معضتلنا كما ينجو منها العائمون في أحلامهم الوردية.. ثم نكتشف أن ذلك يرهقنا أكثر فأكثر، فلا نملك إلا عملنا وواقعنا.. نحاول أن نستعين بمن حولنا فنناديهم طالبين النجاة.. نجدهم أحيانا، ونفتقدهم في أحايين كثيرة.. قد تكون صحراؤنا مهجورة فلا زوار بالجوار.. لكن غيابهم وغفلتهم عنا لا يجب أن يوقفنا مكتوفي الأيدي، أو يصرف من أوقاتنا وجهودنا في لعنهم.. فمواردنا ونفسياتنا وقوتنا محدودة، وكلما فشلنا في تجاوز المشكلة ضعفنا أكثر.. قد يكون غيابهم غفلة منهم وقلة اهتمام.. وقد نكون نحن المخطئين على أي حال..

قد نكون نحن (أنا) المخطئين.. نحن من بنى ألف جدار بيننا وبين من حولنا.. قد نكون قد انطلقنا في رحلة دون أن نخبر أحبائنا، وساكني قلوبنا بوجهتنا، ولا بخطتنا، ولا بموعد عودتنا.. سيبحثون عنا، سيشعرون بغيابنا، لكن أنى لهم أن يجدونا وقد قطعنا بيننا وبينهم الطريق.. عندما نكون نحن المخطئين سنلوم أنفسنا كثيرا، وسنطلب ممن حولنا المغفرة إن نحن تهنا بلا عودة.. فلنعش الحب مع من حولنا كي لا نقع في هذا، ولنشارك سبلنا ومغامراتنا معهم، فإن نحن تهنا فهم أول من سيكون بالجوار.. ربما تطول المواجهة، لكن علينا أن نخرج بأقل الأضرار في الأخير.. محاولة الخروج بلا أي ضرر قد يكون حكما صريحا على نهايتنا.. قد نفقد جزءا منا، من قوتنا، من أموالنا وأملاكنا، من سنواتنا وأعمارنا، من أبنائنا، قطعة من أرواحنا.. لكن التشبت بالجزء الذي يضيع منا قد يجعلنا نواجه حتفنا.. تخلينا عن الجزء المتعفن منا غالبا ما يكون عين الحكمة.. رغم آلام التخلي والبتر، يبقى بتر العفن، وبتر الصلة بالمشكلة، أفضل الحلول لمواصلة المسير في مضمار الحياة..

ورغم الجراح التي نجتاز بها عثراتنا، يمكننا أن نواصل في طريق الشغف.. فالعثرة مهما كانت مؤلمة، لن تكبح جماح توق النفس إلى المتعة وهي تمضي قدما في عيش شغفها.. ولن تقف عائقا أمام الفضول اللامحدود الذي نحمله داخلنا لتجربة أي جديد، والتعلم أكثر وأكثر..


رابط تحميل الفيلم:

https://egy.best/movie/127-hours-2010/

الإعلان

3 Comments اضافة لك

  1. Naoui Kadi كتب:

    اعلم علم اليقين ان الكثير من امثالي ينتظر مثل هذه المقلات المشجعة

    إعجاب

    1. شكرا جزيلا لك.. ولن أتوانى عن كتابة أمثالها وكل ما يشجع على المضي على العمل أكثر بين الحين والآخر بإذن الله ☺️

      إعجاب

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s