كاش جديد -2- | نوبل للطب 2018.. أمل في سماء مرضى السرطان..

إذا كنت متابعا لجديد أخبار العلوم مؤخرا فتكون بلا شك قد سمعت بالأسماء التي تعلن تباعا للمتوجين بجائزة نوبل لسنة 2018.. كان أول المعلنين عنهم (وككل سنة) هم الفائزون بالجائزة في قسمها “جائزة نوبل للطب والفيزيولوجيا”.. الإعلان عن أسمائهم كان خبرا مبهجا حول العالم، والكشف عن أعمالهم كان بارقة أمل قوية للآلاف أو لمئات الآلاف حول العالم.. ما السبب في ذلك؟ وفيم تتمثل أعمالهم وما أهميتها؟ وكيف ساهمت أعمالهم في إعادة الأمل للكثيرين؟.. دعني أبدأ من البداية.. تابعني خطوة خطوة، على أمل أن نصل لصورة واضحة وتصور بسيط عما قام به العالمان، ولم استحقا هذه الجائزة؟..

الجهاز المناعي داخل أجسامنا يعتبر جيشا بكل ما تحمله الكلمة من معنى.. جيشا يتكون من مختلف الرتب والمهام.. جيشا من الخلايا والبروتينات والجزيئات التي تعمل بشكل منسجم متناسق عالي الدقة، من أجل مواجهة أي خطر خارجي أو جسم غريب، أو أي كائن ينتمي إلى “اللا أنا” (le non-soi) كما يسمى في عالم الطب.. نجد الجهاز المناعي بين نظامين دقيقين جدا يتحكمان في نشاطه، نظام محفز ضد أي جسم غريب وآخر مثبط حتى لا يصل لدرجة الهجوم على خلايا جسمنا..

تعد “الخلايا T” أحد أهم الجنود في الجهاز المناعي، وتمثل قسما كبيرا منه، متخصص في مهاجمة الخلايا الغريبة (بيكتيريا، خلايا سرطانية..الخ) تقوم هذه الخلايا بفحص مستمر لخلايا الجسم تحسبا لأي هجوم خارجي، أو تحول خلايا من جسمنا إلى خلايا سرطانية..

مختلف خلايا الجهاز المناعي . المصدر: http://www.monsystemeimmunitaire.fr

مداخلة: ولماذا لا يقضي الجهاز المناعي على السرطان إذا؟..
في الحقيقة يحاول الجهاز المناعي فعل ذلك، لكن السرطان وكما أنه متصف بالانقسام العشوائي العبثي الأبدي غير المتحكم فيه، فهو يمتلك استراتيجيات تجعله يتحرر من الجهاز المناعي وجنوده، ويحاول أن يفلت من أجهزة فحصه ويوهمه أنه شيء من ذواتنا (soi) وليس جسما غريبا..
مداخلة: بعيدا عن الوصف الأدبي للأمر، كيف يقوم السرطان علميا بهذا؟..
حسنا، هذا ما أردت الوصول إليه.. يوجد على غشاء الخلايا T أحد المستقبلات التي تسمى ب PD-1.. تحفيز هذا المستقبل يثبّط الخلايا T ويلغي نشاطها.. وهذا ما تفعله خلايا السرطان بالخلايا T حتى تسلم من مهاجمتها.. تقوم الخلايا السرطانية بذلك باستعمال بروتين على غشائها يسمى ب PD-L1.. هكذا تكون الخلايا السرطانية في مأمن من الجهاز المناعي وجنوده، فتنقسم وتتطور بحرية تامة..

مداخلة: وما علاقة كل هذا بالفائزين بجائزة نوبل؟
الفائز بجائز نوبل الياباني “تاسوكو هونجو” كان قد اكتشف هذا المستقبل على غشاء الخلايا T واكتشف دوره في تثبيط هذه الخلايا ، سنة 1992.. ثم توصل بعد ذلك إلى إنتاج أجسام مضادة تقوم بإلغاء دور هذه المثبطات، وبالتالي نشاطا مضاعفا للخلايا المناعية ضد الخلايا السرطانية.. تم إجراء تجارب واسعة سنة 2012، وكانت النتائج مذهلة جدا، حتى عند بعض المرضى الذين كان السرطان عندهم في مرحلة متقدمة جدا.. مرحلة الإنتشار في الجسم (métastase)..

المستقبل الغشائي PD-1 على غشاء الخلايا T، ومكمله PD-L1 على غشاء الخلايا السرطانية . المصدر: http://www.roche.fr

مداخلة: وماذا عن أعمال الأمريكي الذي فاز مع الياباني بالجائزة، مناصفة بينهما؟
أما عن الأمريكي جايمس أليسون فقد قام بتطوير أجسام مضادة تعمل على إلغاء نقطة أخرى من نقاط تثبيط الجهاز المناعي.. إنه البروتيين CTLA-4 ومستقبلاته الموجودة على غشاء الخلايا T.. قام بتطويرها سنة 1994.. قام بتجريب ذلك على الفئران حينها وكانت نتائجه مبشرة لحد كبير.. بداية من سنة 2004 انطلق في تجريب تلك الأجسام المضادة (anticorps monoclonal anti CTLA-4 = Ipilimumab) على مرضى مصابين بسرطان الجلد، وأعلن نتائجه سنة 2010، كانت مذهلة أيضا، حيث شفي البعض منهم من السرطان بشكل كامل..

اكتشاف العالمين يجعلنا نلج مستوًى جديدا وطريقًا جديدة لمحاربة السرطان باستغلال قدرات جهازنا المناعي.. أي محاربة السرطان من داخل جسمنا نفسه، من خلال تحفيز المناعة، والتخلص من كل ما يعرقلها.. وهذا ما قدّم أملا كبيرا للعديد من المرضى وأهاليهم، بعد أن فقد الكثير منهم الثقة في الطب الغربي بسبب تأخره في اكتشاف دواء لمرض العصر الذي حصد الكثير من الأرواح، واستنزف الكثير من النفسيات والمشاعر قبل ذلك..

للعلم فإن أساليب علاج السرطان أربعة:
1/ جراحيا: وهو القيام بنزع كتلة الخلايا السرطانية بواسطة عملية جراحية..
2/ كيميائيا: بواسطة أدوية ومواد كيميائية، ويسمى بـ la chimiothérapie..
3/ إشعاعيا: بتعريض الخلايا السرطانية -التي قد تتبقى إما بعد الجراحة أو العلاج الكيميائي- لأشعة حتى تقضي عليها تماما، ويسمى بـ la radiothérapie..
4/ مناعيا: وهو استغلال الجهاز المناعي وأدواته وخلاياه لمهاجمة الخلايا السرطانية.. ويسمى بـ l’immunothérapie..

تندرج أعمال العالمين المتوجين بجائزة نوبل ضمن الأسلوب الرابع.. وقد تطور هذا المجال بشكل كبير جدا في السنوات الأخيرة، ويعول عليه كثيرا في إيجاد الكثير من الحلول للأمراض التي أرقت البشرية في هذا العصر..

http://www.centrodemedicinagenomica.com

للإشارة فإن العالمين لم تكن بحوثهما موجهة للبحث عن علاج للسرطان، لكنهما كانا أساسا يحاولان فهم الجهاز المناعي ودوره وعملياته.. فقد كانا يعملان في جانب من جوانب البحث العلمي المسمى بالبحوث الأساسية، تلك التي تنطلق بالبحث عن المعرفة وفقط.. بدافع الفضول وشغف الفهم.. بمقابل البحوث التطبيقية التي تنطلق أساسا للبحث عن علاج ما لمرض معين..

“كل تمنياتي بالشفاء والقوة لكل محاربي الأمراض في كل مكان” إيمان الإمام

-هل يمكن أن يكون كل هذا جوابا على سؤال “كاش جديد؟”
-نعم ممكن جدا..


بعض المصادر:

العربية:

1/ في هذا الرابط تجدون أبسط وأشمل وأروع ما قرأته بالعربية في هذا الموضوع:

http://bit.ly/2Oz7VWv

الفرنسية:

1/D’une manière générale:

 

2/ D’une manière plus explicative:

الإعلان

4 Comments اضافة لك

  1. منيرة رشوم كتب:

    Bravo Dr

    Liked by 1 person

  2. بالتوفيق و شكرا على المعلومات القيمة ، شفى الله مرضى السرطان

    Liked by 1 person

    1. آمين يارب.. وفقنا الله وإياكم.. ووفق كل مجاهد في حصون التجارب من أجل اكتشاف ما ينهي الألم والمعاناة..

      إعجاب

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s