كنت جالسا لوحدي في إحدى الغرف بدار جدتي.. هناك في الطابق العلوي، أتجول في الفيسبوك أنتظر وصول موعد إطلاق نتائج الباكالوريا.. كنت وحيدا هناك، اضطررت للتوجه لدار الجدة لأننا ما زلنا لم نمتلك ذلك الكابل الذي يربطنا بالقرية العالمية.. لا أتذكر التوقيت بالضبط، فأنا فاشل جدا في تذكر التفاصيل، لا بل حتى بعض الأمور المهمة، كالأرقام بعد الفاصلة في معدل الباكالوريا مثلا، أو كبرنامجي الأسبوعي الذي تجدني أطلع عليه لأتثبت منه حتى في آخر أسبوع من شهر ماي.. وصلت ساعة الحسم.. ببرود شديد توجهت نحو موقع إعلان النتائج، لم أكن أتخيل معدلا بعينه، في الحقيقة كنت أتمنى أن أتحصل على المعدل 17، يقولون أن من يتحصل عليه سيكون حرا جدا ومرتاحا في اختيار أي تخصص يريده.. لا أعلم حقا إن كان يجعله حرا، أم يدخله في قفص تخصصات محدودة جدا سيخبرك المجتمع أنها تليق بك، ومن الغباء أن تختار غيرها.. على كل، كنت أتمنى 17، لكني لم أعلم إن كنت سأتحصل عليها أم على 15، أم 14 أم أي معدل آخر.. فقد عشت فترة ما قبل الباك كعادتي لحد اللحظة في ترك الأمور إلى أن يستيقظ ضميري الدراسي، وهيهات أن يستيقظ، فهو يفعل ذلك حتى اللحظات الأخيرة..
حاولت الولوج لموقع عرض النتائج فلم أتمكن من ذلك.. أعدت الكرة فلم أتحصل على شيء.. مرت الدقائق تلو الأخرى.. لو كنت أي قاص آخر فربما سأحاول أن أصف هنا بدقة تنامي الخوف بداخلي وكيف بدأ يسيطر علي، لكنني لن أفعل، ببساطة لأني لم أشعر بشيء من ذلك، كعادتي في المواقف التي يخبرني الكثير أنها مخيفة.. مثل أن تجلس إلى الشيخ “كرشوش” مثلا لتعرض عليه القرآن كاملا، نصحوني حينها أن أجلس بالقرب منه قبل أيام من التوجه إليه حتى أقضي على الخوف، أتذكر أني سألتهم حينها عن الخوف الذي كانوا يتحدثون عنه، لا أعلم إن كنت بهذا شخصا عاديا أم مريضا (نفسيا ربما)، فقد يكون عدم الخوف مرضا كالخوف تماما -ومن يدري-..
بدأت تظهر لي نتائج الأصدقاء على الفيس، وآخرون تساءلوا: وماذا عن عبد المجيد؟.. ومن يخبركم وهو نفسه لم يتمكن بعد من الاطلاع على نتيجته؟!..
على الأغلب كنت قد دخلت موقعا مفبركا، أو “التابلات” التي كانت نافذتي الوحيدة حينها لم تكن بخير يومها.. بدأ يرن الهاتف، يا إلاهي، يسألونني؟، سيباركون لي فوزي، أم أي شيء آخر!!.. لا أتذكر بالضبط من أين علمت بالنتيجة من المسنجر أم من مكالمة من أحد أصدقائي، لم استخرجها منذ البداية من الموقع وهذا أمر مؤكد.. أخبروني أني تحصلت على المعدل 16 لكني لا أتذكر إن كان الرقم بعد الفاصلة 94،95، أم 96، فقد أخبرتكم أني أنسى التفاصيل كثيرا.. فرحت قليلا، وربما ابتسمت، لكني احتجت لأتثبت من النتيجة بنفسي.. تمكنت من ذلك بعد عناء، وبعد أن علم الناس في أقاصي الأرض بالنتيجة.. صورتها ونشرتها على الفيسبوك حتى أحتفل مع أصدقائي.. تفاعل مع المنشور 10 أشخاص على الأكثر (حتى تفهموا قصدي من عبارة “أقاصي الأرض”)، فرحت بالأمر كثيرا.. أخبرت الوالدين بالأمر، فرح الجميع.. لا أتذكر أي زغردات حينها.. هكذا مرت تلك اللحظات القصيرة.. أما اختياري للتخصص فكان له حكاية أخرى..
كان هذا الأمر قبل 3 سنوات بالضبط..
نحن نكبر سريعا..
أتمنى أني أمر على السنوات.. لكن يبدو أنها هي من تمر علي..