بداية.. أحترم كل المبادرات والأنشطة الإجتماعية التكافلية التطوعية.. وأقدر المجهودات الكبيرة التي يصرفها القائمون عليها.. وأنحني احتراما لما يقدمونه دون انتظار أي مقابل..
مع اقتراب شهر رمضان، تنطلق الحملات هنا وهناك لجمع التبرعات من أجل الأنشطة الرمضانية.. داخل كل هذه الهبّة استوقفتني حملة “مصحف لكل مريض”.. جعلتني أتساءل: هل مرضانا بحاجة إلى مصحف حقا ؟!..
الأنشطة الإجتماعية تتأسس على معاني التضامن والتكافل والتعاون والتضحية وزكاة الأبدان.. لكن هذا لا يتعارض مع التخطيط والتفكير والتوجيه الحكيم لأموال المتبرعين والنظر العميق في مردود الأنشطة وفعاليتها وموقعها من المعادلة الكبرى لرقي الأمة..
أعتقد شخصيا أن ” مصحفا لكل مريض” ليس إلا مثالا من أمثلة تسرب أموال المتبرعين دون تسيير حكيم.. المريض ليس بحاجة لمصحف.. الحملة لن تزيد إلا تكديسا للمصاحف في المستشفيات والبيوت.. كفانا تكديسا للمصاحف، كفانا صرفا للأموال في حملات تعمل على أوتار العاطفة عند الشعوب.. ففي العادة، فإن أول ما يفكر فيه المريض عند مكوثه في المستشفى هو اصطحاب المصحف معه، فهل ستهديه فوق ذلك مصحفا؟، علاوة على النسخ التي يزين بها بيته..
المريض بحاجة لأجهزة، بحاجة لتحاليل، بحاجة إلى مستشفيات متخصصة ، إلى أطباء، إلى أمن وهدوء.. دعنا نتوجه إلى التسيير الحكيم لأموال المتبرعين بدل صرفها هنا وهناك اتباعا للعاطفة.. نحن نعلم قيمة القرآن وعظمته، لكن القرآن نفسه ينصحنا بالتفكير الحكيم وتوجيه الأموال إلى ما ينفع حقا..
ألا يمكن أن يكون القرآن هدية من الهدايا؟ يفرح بها المريض؟.. أرى أن تقديم القرآن كهدية هو استنقاص من القرآن نفسه.. مازلت أتعجب لمن يهدي مصحفا لحافظ قرآن بمناسبة استظهاره !! أو مريض أيام مكوثه في المشفى.. يكفي ما تكدس من المصاحف في بيوتنا.. يكفي من المصاحف ما جعلناه زينة في بيوتنا..
دعونا نخترق الحواجز التي صنعناها بيننا وبين القرآن، حتى جعلناه أداة زينة، ونوعا من الهدية.. دعوا القرآن يخترقنا.. دعونا نبحر فيه ونفهم معانيه.. بدل “التقديس الوثني” المبالغ فيه الذي صنعناه بالقرآن..
اجمعوا أموالكم من أجل الأدوية، من أجل توفير العلاج، من أجل التربية، من أجل تسهيل سبل التعليم وإيصال المعلومة، من أجل مساعدة الطلبة، من أجل تكوين الإنسان الذي أمر به القرآن.. كفوا عن صرفه هنا وهناك، دون أي حكمة.. اتباعا للعاطفة..
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم.. فاستغفروه تجدوه غفورا رحيما..