“إياك نعبد”..
إياك نصلي، نزكي، نصوم ونحج.. وإياك نعمر الأرض.. نقصدك -يا الله- بشعائرنا ونتوجه إليك بأعمالنا ونشاطنا وإحساننا..
وحين يواجه مسلم اليوم سؤال تخلفه وتقهقره، يحاول أن يجد أسباب ذلك في نظام التعليم وخذلان الساسة وسطوة الغرب.. يحوم ولا يقع.. يغفل عن ذلك الوعي والمعنى -الذي يتشربه الفرد منا منذ نعومة أظفاره- عن دورنا وغايتنا على وجه المعمورة.. عن رسالتنا.. عن مفهوم ” العبادة ” الحقّة..
“إلا ليعبدون”..
مهمة الإنس والجن.. عبادة الله دور كل الناس إذا.. وبينما تقع كلمة “العبادة” على مسامع الفرد المسلم تحضره صور النسّاك والعبّاد والزّهّاد، وخيالات الذين هجروا الدنيا وأسواقها وناسها وأحوالهم.. وأولئك الذين اختاروا الهروب بدل المواجهة، الاستسلام بدل الجهاد، وحالة “الكَلِّ” بدل الفعالية.. ولم يغذي هذا المعنى المنقوص إلا حديث الوعّاظ والكتّاب على مرّ القرون.. معنى منقوص يقتصر على جزء من أجزاء العبادة ويتعدى أحيانا إلى تقديمها بصورة مشوّهة..
“إني جاعل في الأرض خليفة”..
وبينما حاول المسلم الاقتراب من دور الخليفة، ركّز اهتمامه على الصلاة وصفاتها وتفاصيلها وصفة الرجلين فيها والكتفين، وعلى الأذكار والدعوات، على الزكاة، وكل ما يجري مجراها من الشعائر.. أفرغ جل جهده في عباداته الشعائرية.. حتى وجد نفسه داخل فخّ لم يكن يتمناه.. أصبح يتقن دور ” اللافاعليّة” ودور “العالة” أحسن من دور “الفاعليّة” و”الأمر بالعدل” بكثير..
“صراط الذين أنعمت عليهم”..
صراط الخلفاء الحقيقيين على أرض الله.. صراط الذين اختاروا السير في الأرض، مخالطة الناس، والمشي في الأسواق.. سبيل هابيل وهو يحفظ الدماء، نوح وهو يبني السفينة، ذو القرنين وهو يبني السدود، داوود وهو يصنع السلاح والدروع، سليمان وهو يحكم بالعدل.. من اختاروا أن يؤمنوا بالله ويخلصوا إليه شعائرهم، ويسيروا في واقع الناس ليتركوا بصماتهم.. صراط “الذين ءامنوا” + “وعملوا الصالحات”..
” وحين يختفي المعنى الحقيقي للعبادة الشاملة الممتدة لكل الحياة(..) يختفي النشاط في المصنع وفي المزرعة وفي المتجر وفي الجامعة وفي مركز البحث… أو ينفصل عن تلك الصلة العميقة التي أمر القرآن بها.. ” ¹
” ذلك هو معنى العبادة، إنها عملة ذات وجهين: ذكر للّه، وعمل متقن ” ²
1. د. جاسم سلطان، أنا والقرآن (محاولة فهم) الجزء الأول. ص 65.
2. نفس المصدر. ص 64.