هنالك، في مقعد فارغ من مكان عموميّ.. أمسكت هاتفي.. من الجانب الآخر، هواتف ترن ولا أحد يرد.. وأخرى يبدو أنها مغلقة.. أو أنها خارج مجال التغطيّة.. لا أحد !
أدركت أني في مفترق طرق، بخيارات جميعها مغلقة !.. بدأت أنسحب من الواقع شيئا فشيئا.. شيئا فشيئا بدأت أفقد الإحساس بمن حولي.. وبما حولي أيضا!!.. بدأت أخرج من مجال التغطية أنا أيضا..
انتقل تركيزي إلى نهايات الأغصان.. تلك النهايات التي تشبه نهاياتي.. حادّةٌ تمامًا كنهايتي.. لكن حريتها وتراقصها مع كل نسمة من نسمات الهواء الخفيفة، أبلغتني أننا لا نتشابه تمامًا.. وأنها تعيش أفضل أيام شبابها، بكل حرية، بعيدا عن أيّ هموم.. متباهيةً بلون خضرتها ويخضورها..
شيئا فشيئا بدأت أسترخي على الكرسي، وفتحت ذراعاي، لأضعهما على المتكأ..
اختارت مجموعةٌ من الحمام أن تحُطّ أمام عيناي.. تجمع بمناقرها فتات الأرض.. لا أدري إن فعلت ذلك لتمسّ جرحي أكثر، وتذكرني بمعاناتي أكثر.. وتتبختر أمامي بحريتها وخلو الهموم عنها.. أم أنها فعلت لتذكرني أن بعد عسرٍ يسرًا، وأن الحياة لا تستحق كل ذلك الهم والتفكير الذي يُؤذي أكثر ممّا ينفع.. لتذكّرني أن هذه مجرّد مرحلة من مراحل المَسِير.. ولا طريق بدون شوك.. لتذكّرني برسالة بلال “الأمريكي” إلى اللّه وهو يقول فيها: “لم يكن عليك أن تخلق العالم على نحو أفضل، لقد خلقته هكذا، وهو رائع فعلاً، لكنك تركت لنا نحن فرصةَ أن نجعله أحسن”.. يبدو أن الخيار الثاني أقرب لكائن صافي النوايا مثلها..
انتقلت إلى تلك الورود، بحلتها الوردية، متفتحة، فاتحة ذراعيها، معانقة أشعة الشمس، ونسمات الجو الباردة.. محظوظة جدا !!
فقدت كل اتصال بالعالم الخارجي.. ولم أنتبه إلا لذلك العجوز الحامل لجريدة غبية، تحمل أخبارا أكثر غباء، يطلب منّي أن أفسح بعض المجال كي يجلس بجانبي.. قطع عنّي كل تفكيري وأعادني لوعيي..
فجأة رنّ الهاتف.. ليخبرني أحدهم من الجانب الآخر أن الحكاية لم تنته بعد.. وأن مفترق الطرق مازال بدون عوالم واضحة.. وأن روايتي سيكتب لها يوما إضافيّا آخر.. وربما أكثر من ذلك بكثير..
توفيقك يارب.. يارب سهّل 🙌
دعواتكم ❤