أتخيّل أحد “أدامنة” (إن صح جمع أدمن) الصفحات المليونيّة، وهو يستيقظ صباحا، متأخّرا بعض الشيء ربما.. يفتح هاتفه، ليلتقي بذلك المنشور الذي يتحدث عن موضوع يصلح أن يكون موضوع الساعة.. ويصلح فيه الحديث والتحليل الطويل.. أو يلتقي به ربما في إحدى نشرات الأخبار المملّة.. يقرّر أنّ عليه أن ينشر شيئا عنه، وأنه لا يمكن أن يمرّ بهذه البساطة.. لا تمرّ الساعة أوالساعتين حتى يصبح محلّ الاهتمام الملايين.. لتنطلق متتالية التحليل والردود عليها.. والمنشورات الجدية والهزلية المنبثقة عنها..
أحد أسوأ نتائج مواقع التواصل الإجتماعي (والفيس على رأس القائمة) في إطار العوملة التي غزتنا، وغزت كل شعوب العالم بمختلف ثقافاته، هي ما أسميه “بالقضايا المستعجلة المؤقتة”..
تفرض هذه المواقع (كإحدى أدوات العولمة) على جميع أطياف المجتمع من مثقفين ودكاترة وأساتذة إلى البسطاء والعامة، تفرض عليهم جميعا مناقشة إحدى القضايا المستجدة، في نفس الوقت، كأنها قضية الأمة الوحيدة.. ويكثر الحديث والتحليل والنقاش، حتى يحين دور قضيّة أخرى، لتتوجه الجموع لاهفة إليها.. حتى كأن شيئا لم يكن فيما يخص القضيّة السابقة..
تكون أغلب المواضيع وطنيّة، وأحيانا تكون عابرة للحدود بين الدول المجاورة، وتكون أيضا عابرة للقارات في كثير من الأحيان..
ليس بداية من الفوضى السياسية التي تعيشها الجزائر، إلى قضية متفوقة الباكالوريا التي رفضت السفر إلى إسبانيا، إلى مشكل مصالح التوليد وما يخص الأطباء والطب في الجزائر، ثم إلى الطريقة الكركرية الصوفية التي أصبحت حديث الساعة.. وقبل مدة طوييلة جدا، قضية مؤسسة جازي وعلاقتها بإسرائيل.. وخريطة العالم بدولة إسرائيل في مناهج التعليم.. والكثير الكثير من الشخصيات الغبية التي تظهر على شاشات الصحافة ” الجزائرية”، لا تلبث إلا وهي حديث العام والخاص، الصغير والكبير.. من التعليم إلى الصحة إلى الثقافة إلى الرياضة إلى السياسة والقانون وأخبار الغناء المغنيين وكل ما يخطر في بالك من مواضيع ومجالات..
فجأة تصبح قضيّة الأمة رقم واحد، والتي توجِب على الجميع إبداء موقفِهم منها.. كلما ينسى الناس إحداها، حتى يفاجؤوا بأختها.. تستيقظ صباحا لتجد المنشورات الواحدة تلو الأخرى تتحدث عن نفس الموضوع، يحاول أحدهم تحليله، ويحاول الآخر تناوله بطريقة ممزوجة ببعض السخرية.. لتجد فضولك يقودك للبحث عن الحدث الرئيسي ثم متابعة آراء الناس وتعاليقهم عليه، والردود عليها، والردود على الردود..
يبدو أن الناس شيئا فشيئا بدؤوا يتماهون مع الوضع الجديد ويتصالحون معه.. والصفحات المليونيّة أصبحت موجّهة الشعب إلى القضيّة الراهنة التي يجب مناقشتها.. ويبدو أنها وجدت ضالتها في المواضيع الغريبة والأشخاص الغرباء، الذين يشكّلون عادة عامل الفضول لدى المتتبّعين..
ويبقى المتضرر الوحيد هي عقولنا التي لا تحظى بالوقت الكافي للتحليل وفهم الواقع، وفهم أنفسنا.. وتحديد قضايانا التي يجب أن نعيش من أجلها، بعيدا عن فيضان الأخبار العاجلة المستعجلة..
(يمكن الإطلاع في هذا الموضوع على كتاب “الماجَرَيَات” لإبراهيم السكران.. خصوصا الشطر الأول منه “المَاجريات الشبكية”)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
أصبت عبد المجيد ، تحليلك للواقع والأحداث المرتبطة بمواقع التواصل الإجتماعي أتذكره كلما هممت بإبداء رأيي حول قضية ما سواء على شكل منشور أو تعليق أو نقاش مباشر ويجعلني أتراجع عن اقحام نفسي في هذه الدوامة التي تشتت الذهن ..
بورك فيك..
إعجابإعجاب
وعليكم السلام ورحمة الله.. تعليقك محفز جدا 😌 بورك فيك.. نفعنا الله جميعا بهذا..
إعجابإعجاب
ماشاء الله بالتوفيق
إعجابإعجاب